2. الموت وهذا الأمر غاب عن بالنا وخليق بنا أن نذهب كل أسبوع في يوم من الأيام إلى المقبرة لا لنمر كما يقال مرور الكرام نسلم من وراء السور ونمشي لا بل ندخل إلى داخل المقبرة بعد الفجر والناس في نوم غفلة أو ذهبوا إلى أعمالهم واخلو مع هؤلاء الموتى قرابة ربع ساعة نصف ساعة وتأمل حالهم وابكى على نفسك ولو أمكنك أن تعلم أحوالهم وما هم فيه لقالوا لك نتمنى ليس يوماً من أيامك لكن لحظة من لحظاتك. لكن حيل بيننا وبين ما تملكه أنت ولا تقدر قيمته. فاتعظ بهذا الموت الذي هو هادم اللذات ومفرق الجماعات هو الذي ستنتقل به إلى ظلمة اللحود وإلى بيت الغربة والدود وما أقربه لنا. كم من إنسان خرج من بيته وما عاد وكم من إنسان جسمه سليم سليم ثم بعد ذلك لعله طارئة أخذ إلى المستشفى وما عاد إلى بيته كم – وكم من إنسان يفارق الحياة من غير مقدمات. فإذا القناعة ما استساغتها النفس ذكرها بالموت خذها كل أسبوع إلى المقبرة وعد ما شئت من أموات وعددهم لا يحصى تأمل هذا وإذا استحضرت هذا يهون عليك كل شيء القليل تراه كثيرا وتقول هذا يبلغنا المقيل والمصير. إذا دخل الإنسان المقبرة انقطع سعيه لا ينفعه إلا عمله ونسيه بعد ذلك أهله وأصحابه حتى الزوجة التي بينك وبين الصلة لا يعلمها إلا الله تنساك بعد دفنك وقد تتزوج عددا من الأزواج بعدك ولذلك عدد من الصالحين حصل لهم ما حصل من الزهد في الحياة والانقطاع عن المخلوقات عندما سمعوا من يخاطب بعض الأموات بهذين البيتين المحكمين:
مقيم إلى أن يبعث الله خلقه ... لقاؤك لا يرجى وأنت قريب
تزيد بلى في كل يوم وليلة ... وتُنسى كما تبلى وأنت حبيب