نعم إنها قد تختلف عنها في موضوعها فلا تتعرض لفسق وخنا وبذاءة لكنها لا تختلف عنها في صيغة إلقاءها من صيغة الإلقاء تكسر وتخنث وميوعة فما الذي أباح لك هذا، من الذي أباح لك أن تتكسر، وأن تتخنث وأن تتصف بهذه الميوعة المنكرة عندما تقول هذه الأبيات من الذي أباح لك هذا، إنك إن أردف أن تقول أشعار الجهاد فقلها بكلام فصل جزل يبعث الحماس في القلوب لا يحرك بعد ذلك اللذة والطرب والركون إلى الدنيا بهذه الصيغة الماجنة من تكسر وتخنث وميوعة قال رجل لأبي معين الحسن البصري ما تقول في الغناء فقال نعم الشيء هو توصل به الأرحام ويفعل عنده المعروف ويتسلى به المكروب، ويريد رضي الله عنه وأرضاه، من الغناء الشعر الحسن الطيب الذي يقوله الإنسان فيبعث فيه الحمية والنخوة والمروءة والشهامة ليصل رحمه ليفعل المعروف ليتسلى إذا كان حزيناً فقال السائل لا أريد هذا إنما أريد الشعر قال وما الشعر أتعرف شيئاً منه؟ قال: نعم ثم انتدفع الرجل يغني يلوي شدقيه ويلوي منخريه ويكسر عينيه ويتمايل يميناً وشمالاً قال الحسن البصري سبحان الله ما كنت أظنه أنه عاقلاً يبلغ من نفسه هذا، عاقل يفعل هذا وحال الحسن البصري كحال الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل عندما قال له قائل ما تقول في الغناء يا أبا عبد الله، فقال مثل ماذا عن أي أنواع الغناء تسأل؟ قال مثل قول القائل:
إذا ما قال لي ربي أما استحييت تعصيني *** وتخفى الذين عن خلقي وبالعصيان تأتيني
فأخذ الإمام أحمد بلحيته وأخذ يردد البيتين إذا سمي هذا عن الناس بغناء فلا يضر، هذا كما قلت يفعل عنده المعروف يحرك الشهامة والنخوة والمروءة، أشعار الزهد.