والإمام مالك أدرك العمل في عهده على خلاف ذلك، فقال بموجبه، فكان أهل المدينة في زمن الإمام مالك يصلون التراويح ستاً وثلاثين ركعة ويوترون بخمس، فمجموع صلاتهم إحدى وأربعون ركعة، وإنما كان يفعل أهل المدينة هذا بعد عمر اجتهاداً منهم، لأن أهل مكة كانوا يطوفون بعد كل ركعتين سبعة أشواط، فأراد أهل المدينة أن يحصلوا ما يقارب أهل مكة في الفضل، فكانوا بدل الطواف – فليس عندهم كعبة يطوفون حولها بالمدينة المنورة، فكانوا يضاعفون الصلاة، فبدل الطواف يصلون ركعتين، فالعشرون صارت كما قلت إلى واحدة وأربعين، وأولئك يصلون عشرين، هذا كله مقرر في كتبنا عند أئمتنا، ولا قائل بغير ذلك، وعليه صلاة التراويح عند الأئمة الأربعة الكرام البررة عشرون ويوتر بثلاث، وإما ست وثلاثون ويوتر بخمس.

قال الإمام ابن العراقي، ولي الدين، في كتاب طرح التثريب في المكان المشار إليه: ولما صار والدي يعني شيخ الإسلام الحافظ الإمام عبد الرحيم ابن الحسين الأثري العراقي، شيخ الإمام ابن حجر، يقول لما صار والدي إماماً في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا كان في القرن الثامن للهجرة – أحيا السنة القديمة مع المحافظة على فعل أهل المدينة، فكان في أول الليل يصلي عشرين ويوتر بثلاث ويقرأ جزءاً فيختم مرتين في رمضان، فبعد منتصف الليل يصلي ست عشرة ركعة أيضاً وخمس ركعات بعدها لأجل أن يكون مجموع الصلاتين كما كان يفعله أهل المدينة في عهد الإمام مالك رضي الله عنه وكما كان في عهد عمر رضي الله عنه، وفي أول الليل يجعل الصلاة على الكيفية التي كانت في عهد عمر عشرين ويوتر بثلاث، ثم يضم في آخر الليل بما يلتحق به ما قرره الإمام مالك محافظة على المقرر في المذاهب الأربعة، وأن لا تجزم به على نفسك، يقول عنه الإمام ابن قدامة في المغني (وهذا كالإجماع) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015