والمتبصر في حال المولود حين ولادته يرى أن النفوس الإنسانية في أول خلقتها أقل فهماً وذكاءً من فطنة سائر الحيوانات، ألا ترى ولد الدجاجة لما يخرج من قشر البيضة يميز بين العدوِّ والصديق، فيهرب من الهرة، ويلتجئ إلى الأم، ويميز بين الغذاء الذي يوافقه، والغذاء الذي لا يوافقه، وأما ولد الإنسان فإنه حال انفصاله عن بطن الأم لا يميز ألبتة بين العدوَّ والصديق ولا بين الضار والنافع، فظهر أن الإنسان في أول الحدوث أنقص حالاً، وأقل فطنة من سائر الحيوانات، ثم إنه بعد يقوى عقله، ويعظم فهمه، ولا يدانيه في ذلك حيوان ما، فانتقال الإنسان من تلك البلادة المفرطة إلى هذه الكياسة المفرطة لابد وأن يكون بتدبير إلهٍ مختار حكيم ينقل الأنفس الإنسانية من نقصانها إلى كمالاتها، ومن جهالاتها إلا معارفها بحسن الحكمة والاختيار، كما قال العزيز الغفار: {خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ} وقال – جل وعلا –: {وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015