السادس: ألهم الله الكريم ذلك الصبيّ إلى المص، فإن الأم كلما ألقمت حُلْمة الثدي في فم الصبيّ فذلك الصبيّ في الحال يأخذ في المص، فولا أن الإله الرحيم ألهم ذلك الطفل الصغير ذلك العمل المخصوص لم يحصل الانتفاع بتخليق ذلك اللبن في الثدي.
السابع: اللبن مخلوقٌ من فضلة الدم، والدم خلق من الغذاء الذي تم تناوله، وقد حصل في اللبن أجزاء ثلاثة في طبائع متضادة، فما فيه من الدهن يكون حاراً رطباً، وما فيه من المائية يكون بارداً رطباً، وما فيه من الجُبْنِيَّة يكون بارداً يابساً، وهذه الطبائع ما كانت حاصلة في الغذاء الذي تم تناوله، فظهر بهذا أن هذه الأجسام لا تزال تنقلب من صفة إلى صفة، ومن حالةٍ إلى حالة، مع أنه لا يناسب بعضها بعضاً، ولا يشاكل بعضها بعضاً، وذلك دليلٌ على حدوث تلك الأحوال بتدبير حكيم رحيم يدبر أحوال هذا العالم على وفق مصالح العباد، فسبحان من تشهد جميع ذرات العالم الأعلى والأسفل بكمال قدرته، ونهاية حكمته ورحمته، وله الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين (?) .