.. ومما ينبغي معرفته تماماً، وعلمه جيداً لزاماً، أن لفظ الجهمية وإن كان ينصرف أصالة إلى الجهم وشيعته الردية، الذين لم يثبتوا اسماً ولا صفة لرب البرية – جل جلاله – وقالوا: هو مع كل شيءٍ، وفي كل شيء ولا يخلو منه شيء، فإن ذلك اللفظ – أعني التجهم يشمل كل من شاركهم في بعض أوصافهم، وينسحب عليهم، وأخض أوصاف الجهمية: نفي الصفات عن ذات ربنا العلية، وبهذا الاعتبار يطلق لفظ الجهمية على المعتزلة الأشرار، كما يشمل متأخري الأشعرية، الذين خلطوا بين طريقة السلف المرضية، وطريقة المعتزلة الردية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – عليه رحمة رب البرية –: وكان أحمد بن أبي دؤاد – إمام المعتزلة، وركن الاعتزال – قد جمع له – أي لمناظرة إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل أسكنه الله غرف الجنة – نفاة الصفات من جميع الطوائف، وعلماء السنة كابن المبارك، وأحمد، وإسحاق، والبخاري – رحمهم الله جميعاً – يسمون هؤلاء جميعهم جهمية، وصار كثير من المتأخرين من أصحاب أحمد وغيرهم يظنون أن خصومه كانوا هم المعتزلة، وليس كذلك، بل المعتزلة نوع منهم 1هـ ونحوه في فتح الباري، قال الإمام ابن حجر – عليه رحمة الملك الباري –: إنما الذي أطبق السلف على ذم الجهمية بسببه إنكار الصفات، وقال: وقد سمى المعتزلة أنفسهم "أهل العدل والتوحيد" وعنوا بالتوحيد ما اعتقدوه من نفي الصفات الإلهية، لاعتقادهم أن إثباتها يستلزم التشبيه، ومن شبه الله بخلقه أشرك، وهم في النفي موافقون للجهمية، وقال وأما الجهمية فلم يختلف أحد ممن صنف في المقالات أنهم ينفون الصفات حتى نسبوا إلى التعطيل، وثبت عن أبي حنيفة – رحمه الله تعالى – أنه قال: بالغ جهم في نفي التشبيه حتى قال: إن الله ليس بشيء (?) .