إخوتي الكرام: عند الإنسان قوتان لا تتعطلان. القوى الأولى كما قلنا علمية نظرية لابد من أن يعتقد شيئاً ولا بد من أن يمتلىء ذهنه وقلبه من أفكار ومعلومات ولا بد بعد ذلك أن تتحرك جوارحه وأن تسعى. لكن إما أن يرى الحق حقاً وأن يرزق إتباعه وأن يحببه الله فيه. وأن يرى الباطل باطلاً ويرزقه الله اجتنابه وأن يكرهه الله فيه. وإما أن ينعكس الأمر. أحد أمرين. إما أن الإنسان خٍلْوَاً خالياً من معرفة الحق والباطل لا يعتقد حقاً ولا باطلاً، وخلواً ومن عمل الحق والباطل هذا لا يتصور ولا يوجد، لابد من عمل ولا بد من اعتقاد ((فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ)) (?) ولذلك كان أئمتنا يقولون: القلوب طواحين. والطاحون تتحرك باستمرار لكن بعض الطواحين تطحن براً حباً نظيفاً جيداً. وبعضها تأتى تضع فيها حجر ولا تخرج لك بعد ذلك إلا بلاءً. والقلب يتحرك ولا يفتر. إما أن يتحرك بذكر الله وطاعته. وإما أن يتحرك بمعصية الله وغضبه. وكان أئمتنا يقولون: النفوس جوّالة. إما أن تجول حول العرش وإما أن تجول حول الحش (?) إما تكون في فضيلة وإما في رذيلة. كما قال النبي: [كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها] (?) لابد من كسب إما صالح وإما خبيث. وقد أشار نبينا - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا.