عباد الله: وإذا كانت لنا تجارات وبيوع في هذه الحياة -كما قلت- نتعرض لنفحات رب الأرض والسماوات، لتحصيل هذا الرزق الذي أحله الله، هذا ينبغي أن يكون في قلبنا عند تحصيلنا قناعة، ولا داعي بعد ذلك للجشع، ولا لطمع، ولا للحرص، كم سيأتينا تفصيل هذا في الموعظة الآتية، فالقناعة الحقيقةً هي غنىً في هذه الحياة، وهي زخرٌ لك بعد الممات، والقناعة أن ترضى بما يكفيك، وأن لا تكثر من أمانيك، ما جاءك وما فيه كفاية فاحمد الله عليه، وهذا غنىً ليس بعده فقر، ثبت في مسند الإمام أحمد، والصحيحين، والحديث رواه الإمام الترمذي وابن ماجه، من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، وروي عن أنس، وأبي ذر -رضي الله عنهم أجمعين- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [ليس الغنى عن كثر العرب إنما الغنى عنى النفس] ليس الغنى عن كثر العرب، إنما الغنى عنى النفس، فأنت إذا كان في قلبك هذه القناعة، ما جاءك يكفيك، وبعد ذلك تتفرغ لطاعة الله جل وعلا، ولا يلهيك البيع ولا التجارة عن طاعة الله جل وعلا، ورحمة الله على شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية عندما ينشد، ويردد هذا كثيراً فيقول:
رأيتُ القناعة ثَوبَ الغَنَى ... فَصِرْتُ بِأَذْيَالِها أَنْتَسِكُ
فَأَلْبَسَنِي جَاهُهَا حُلَّةً ... يَمُرُ الزَّمَانَ وَلَنْ تُنْتَهَكُ
فَصِرْتُ غَنِيَاً بِلا دِرْهَمٍ ... أَمُرُّ عَزِيزَاً كَأَنَّنِي مَلِكُ
هذا حال عباد الله {لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ} (?) يكدحون في هذه الحياة، وما جاءهم رضوا به، ثم بعد ذلك تفرغوا لطاعة الله جل وعلا.
أسأل الله برحمته التي وسعت كل شيء، أن يربينا بما قسم لنا، وأن يجعل غنانا في نفوسنا، ونسأله أن يجعل نعمته عوناً لنا على طاعته، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، أقول هذا القول وأستغفر الله.