وفي رواية الطبراني [إن الرزق ليطلب العبد أكثر مما يطلبه أجله] فكما أنك لا تفر من أجلك، وأينما كنت سيوافيك الموت، ولو كنت في بروجٍ مشيدة، والله لو كنت في جحر ضب لجاءك ما قسم لك وما قدر لك، نعم أنت مأمورٌ بالسعي والكسب والتعرض لنفحات الله عن طريق ما أحل الله، فهذا وصف عباد الله، يبيعون ويتاجرون ويعبدون الحي القيوم [إن الرزق ليطلب العبد أكثر مما يطلبه أجله] وقد جعل الله الرزق بين الحياة وبين الممات، فوسط الرزق بين الأمرين، وكما أننا لا نشك في خلقنا، ولا نشك في موتنا، ولا نشك في بعثنا، فما ينبغي أن يعترينا شك نحو رزقنا {اللهُ الذِّي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثَمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مِنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (?) وأنت الواجب عليك -كما قلت- أن تتعرض لنفحات الله، فإذا قدر لك رزقٌ كثيرٌ جاءك، إذا قدر عليك في الرزق، جاءك ما قدر لك، وأنت على الحالتين راضٍ بما قسم لك، لكن الرزق لا ينال بمعصية الله، ولا بشطارة، ولا باحتيال، ما قدر لك سيأتيك، فإما أن تأخذه من طريقٍ حلال، وإما أن تأخذه من طريقٍ حرام، ورحمة الله على من قال:
كَمْ مِنْ قَوِّيٍ وَقَوِّي فِي تَقَلْبُهِ ... مُهَذَّبُ الرَّأْيَ عَنْهُ الرِّزْقَ يَنْحَرِفُ
وكم من ضَعِيفٍ ضَعِيفٍ فِي تَقَلْبُهِ ... كَأَنَّهُ مِنْ خَلِيجِ الْبَحْرِ يَغْتَرِفُ
هذا دَلِيلٌ على أنَّ الإلِهَ لَهُ ... فِي الْخَلْقِ سِرٌ خَفِيٌ لَيْسَ يَنْكَشِفُ
إذاً هؤلاء العباد الرجال الأبرار الذين يذكرون الله في بيوته رجال {لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ} (?) لا تلهيهم تجارة ولا بيع يتاجرون ويبايعون، لكن ذلك لا يشغلهم عن طاعة الحي القيوم.