وقد ثبت في المسند، وسنن أبي داود، والحديث رواه الإمام الترمذي في سننه وبَوَّبَ عليه باب احتجاب النساء من الرجال، ورواه ابن حبان في صحيحه وإسناد الحديث صحيح عن أمِّنا أمِّ سلمة -رضي الله عنها- قالت: كنت عند ميمونة فدخل عبد الله بن أمِّ مكتوم وهو أعمى -ومن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين- فقال النبي عليه الصلاة والسلام لزوجتيه ميمونة وأمِّ سلمة رضي الله عنهما [احتجبا منه، فقلنا: يا رسول الله، -عليه الصلاة والسلام-: أوليس هو أعمى لا يُبْصرنا؟ قال: أفعمياوان أنتما] قال الإمام أبو بكر بن العربي -عليه رحمة الله- في عارضة الأحوذي عند شرحه لهذا الحديث في سنن الترمذي: يَحْرُم على المرأة أن تنظر إلى الرجل كما يحرم على الرجل أن ينظر إلى المرأة، وهذا أمرٌ جهله غالب الناس، فلا ينهون نساءهم عن النظر إلى الرجال ولا ينبهوهنَّ على ذلك، وأعظم من النظر اعتقاد إباحة النظر، أي أنه يباح للمرأة أن تنظر إلى الرجل، يحرم على المرأة أن تنظر إلى الرجل كما يحرم على الرجل أن ينظر إلى المرأة، والله يقول في كتابه: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم} ثم قال: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنَّ ويحفظن فروجهنَّ} ، وإذا كان الرجل يميل إلى المرأة فمنع عن النظر من أجل هذا، فالمرأة تميل إلى الرجل فينبغي أن تمنع، فالفتنة مشتركةٌ بين الجانبين، ولا يمكن أن تبيح شريعة الله نظر النساء إلى الرجال ثم تحرم نظر الرجال إلى النساء، فشريعة الله جاءت بالتسوية بين المتماثلات والتفريق بين المختلفات، فإذا كان نظر الرجل إلى المرأة يزرع في قلبه شهوةً ويلهيه فنظر المرأة إلى الرجل كذلك، فإذا كانت العلة موجودة في الصنفين فينبغي أن يُمنع كلٌ منهما عن النظر إلى الصنف الآخر، والدليل بعد ذلك صحيحٌ صريح عن نبينا -عليه الصلاة والسلام-[احتجبا منه] .