فأكثر الناس من الكلام فنبههم وحذرهم، وإنما بناءه عثمان رضي الله عنه وأرضاه بحجارة منقوشة المرتبة بأشكال حسنة ليس فيها ألوانٌ تشتت الأذهان، النقش الذي فيها إما أن تكون الحجارة مربعةً، مستطيلةً، مثلثةً، مُسَدسةً بحيث تكون الحجارة في هذا المسجد متزنة متسقة مرتبة ليس في ذلك بعثرة ولا تشويش، ليس في ذلك حرج، هذا من باب الترتيب ببيوت الله وتعظيمها، بنها بحجارة منقوشة، ليست منقوشة بألوان وزخارف، إنما هي أشكال مرتبة في هذا المسجد لا يوجد ما يفرق النظر ولا ما يشغل القلب لكن إذا نظرت رأيت ترتيباً وإحكاماً وصنعاً عجيباً بديعا هذا من التعظيم الذي أمرنا رب العالمين نحو بيوته التي ينبغي أن نبينها له في هذه الأرض {في بيوتٍ أذن الله أن ترفع} أن ترفع حسا، أن تشيد وأن تبنا بهذه الصفة الحسنة المكرمة فإذا دخلت إلى بيت الله فرشه مريح، إذا كانت البلاد في بحاجة إلى تكييف التكييف فيه مريح الإضاءة فيه جميلة جليلة كافية، وهكذا كل ما فيه يريح المصلي ولا داع بعد ذلك بألوانٍ ولا لإشغال أذهان المصلين.
إذاً التشيد على نوعين تشيد فيه تعظيم لبيت الله وإحكام صُنْعَةٍ وإتقانها فحسنٌ لا محذور فيه، وتشيد يقصد منه زخرفة وزركشة وانشغال المصلي فهذا الذي جاءت أدلت الشرع بالنهي عنه والتحذير منه وهو الذي نهانا عنه نبينا صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود وغيره بإسناد صحيح من رواية ابن عباس رضي الله عنهما قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [إني لم أؤمر بتشيد المساجد] أي بزخرفتها وتزينها بحيث شتت ذلك ذهن الإنسان ويفرق قلبه، {في بيوتٍ أذن الله أن ترفع} ترفع حسا، تبنى تتميز عن بيوت الناس وترفع معنى {في بيوتٍ أذن الله أن ترفع} ورفع هذه البيوت معناً أن تعظم وأن تقدر وأن تحترم وأن تصان من كل دنس وقذر حسي ومعنوي وأن يجري فيها كل فضيلة وأن تحترم في حال الدخول والخروج والمكث فيها والبقاء فيها.