عباد الله: ولا يراد من الإذن هنا الترخيص وإعلام الله لعباده بأنه أجاز لهم بناء المساجد لا ثم لا. فقد قرر أئمتنا الكرام أن معنى أذن هنا بمعنى حكم وألزم، وأوجب وفرض، حكم الله وألزم عباده وفرض عليهم بناء المساجد ورفعها، فالإذن هنا بمعنى الأمر كقول الله جل وعلا: {وما أرسلنا من رسولٍ إلا ليطاع بإذن الله} بأمره وحكمه وإيجاب الله على عباده ذلك إلا ليطاع بإذن الله {في بيوت أذن الله أن ترفع} أي أمر الله برفعها، وإنما أخبر الله جل وعلا وخبر الله جل وعلا عن الأمر بالإذن لنقطة لطيفة ذكرها أئمتنا وهي أن حال المأمورين وهم عباد الله المؤمنون ينبغي أن يكون حالهم، ينبغي أن يكون حالهم المسارعة إلى بيوت الله جل وعلا إلى بناء المساجد إلى تشيدها وإقامتها ورفعها قبل أن يوجه إليهم الأمر من ربهم جل وعلا بوصفهم عباداً لله لابد لهم من مكان يجتمعون فيه يعبدون الله، ويتدارسون الغاية التي من أجلها خلقوا وأن ينصح بعضهم بعضا، إذاً هذه الغاية من المفروض في حقهم أن يقوموا بها قبل أن يأمروا بها فينبغي على المأمور أن يتوجه إلى ذلك قبل أن يصدر إليه الأمر من الآمر من الله جل وعلا، فإذا أرادوا بناء المساجد قبل أن يأمروا يكون حالهم كحال المستأذن ربه جل وعلا، ربنا هل تأذن لنا في بيت نعبدك فيه ونتناصح فيه؟ فجاء الأمر على حسب حال عباد الله كأنهم يستأذنون الله في بناء المساجد، فقال الله لهم {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر اسمه} نعم إن مناجاة الله جل وعلا تحتاج إلى استئذان وإذا أردت أن تناجيَ الكريم المنان فينبغي أن تقول له عبد ربي هل تقبلني؟ أريد أن نبنيَ مكاناً أجتمع فيه مع عباد الله لعبادته والتناصح في دينه فهل يرضيك ذلك؟ فجاء الإخبار من الله مع بشارة عظيمة {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيه اسمه} .
إخوتي الكرام: