وكذلك الرّهِق الفاجر، يألف شكله، ويستحسن فعله، وينحرف عن ضده – وفي هذا دليل على أن الأرواح ليست بأعراض، وأنها كانت موجودة قبل الأجساد، وأنها تبقى بعد فناء الأجساد 10هـ وفي فتح الباري: قال الإمام ابن الجوزي – عليه رحمة الله تعالى –: ويستفاد من هذا الحديث أن الإنسان إذا وجد من نفسه نفرة ممن له فضيلة أو صلاح فينبغي أن يبحث عن المقتضى لذلك، ليسعى في إزالته حتى يتخلص من الوصف المذموم، وكذلك القول في عكسه، وقال القرطبي: الأرواح وإن اتفقت في كونها أرواحاً لكنها تتمايز بأمور مختلفة تتنوع بها، فتتشاكل أشخاص النوع الواحد، وتتناسب بسبب ما اجتمعت فيه من المعنى الخاص لذلك النوع للمناسبة ولذلك نشاهد أشخاص كل نوع تألف نوعها وتنفر من مخالفها، ثم إنا نجد بعض أشخاص النوع الواحد يتآلف وبعضها يتنافر، وذلك بحسب الأمور التي يحصل الاتفاق والانفراد بسببها 1هـ وللإمام الغزالي – عليه رحمة الملك الباري – كلام سديد في ذلك هاك خلاصته، قال – رحمه الله تعالى –: ائتلاف القلوب أمر غامض، فالمودة تستحكم بين شخصين من غير ملاحة في صورة ولا حسن في خَلق، ولاخُلق، ولكن باطنة توجب الألفة والموافقة، فإن شبه الشيء ينجذب إليه بالطبع، والأشياء الباطنية خفية، ولها أسباب دقيقة ليس في قوة البشر الاطلاع عليها وقد عبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن ذلك بقوله: "الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف" فالتناكر نتيجة التباين، والائتلاف نتيجة التناسب الذي عبر عنه بالتعارف، والمشاهدة والتجربة للئتلاف عند التناسب في الطباع والأخلاق باطناً وظاهراً أمر مفهوم، وأما الأسباب التي أوجبت تلك المناسبة فليس في قوة البشر الاطلاع عليها، ولا معنى للخوض فيما لم يكشف سره للبشر، فما أوتينا من العلم إلا قليلا ً قال مالك بن دينا – عليه رحمة الله تعالى –: لا يتفق اثنان في عشرة إلا وفي أحدهما وصف من الآخر، وإن أجناس