والهباء هو ذرات التراب الصغيرة التي تتطاير عند وجود الرياح، والهباء هو النار إذا احترقت وصارت رماداً ثم عبثت بها الرياح فتطايرت هنا وهناك هذا هو الهباء، والهباء هو رذاذ الماء عندما يتطاير إذا صب الإنسان ماءً فيخرج منه رذاذٌ خفيفٌ هذا هو الهباء.
يقول الله عن أعمال الذين لا يرجون لقاءه إذا قدموا عليه يوم القيامة {وَقَدِمْنَا إِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً} وهذا الهباء يكون متفرق متباعد بحيث لا تجتمع ذرة مع ذرة فلا ينفعهم عمل عند الله جل وعلا {هَبَاءً مَنْثُوراً} والهباء في الأصل متفرقٌ إنما ليقرر الله المعنى أتم تقرير أردفه بالكلمة التالية الأخرى {هَبَاءً مَنْثُوراً} وهذا الذي يسميه علماء البلاغة في علم البديع بالإغال والتتميم وهي أن يردف المتكلم كلامه بكلمة يزيل بها اللفظ ويقرر المعنى في النفس فيرفع عنها الوهم لتستقر في الفهم والأمر كذلك، الهباء هو الشيء المتطاير فأتبعه بهذه اللفطة {مَنْثُوراً} ليبن أنه لا يجتمع ولا يمكن أن تكون ذرة مع ذرة فجعلناه هباءً منثورا أي متفرقاً ضائعاً لا وجود له ولا ثبات ولا استقرار ولا نفعاً ولا مكاناً {وَقَدِمْنَا إِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} وهذا إخوتي الكرام في الآخرة والله لا يظلم أحدا، فما يجري من الكافر من حسنات في هذه الحياة من صلة رحمٍ أو صدقةٍ أو غير ذلك يكافئه الله عليها في هذه الحياة من صحةٍ وطعامٍ وهواءٍ وشربٍ وغير ذلك كما ثبت ذلك في صحيح مسلمٍ من حديث أنس رضى الله عنه [عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: {إن الله لا يظلم مؤمناً حسنةً يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة} هذا كرم الله على المؤمنين أي يعطا عليها مكافئةً وجزاءً في الدنيا من صحةٍ ونعمٍ لا تحصى وحياةٍ طيبةٍ مطمئنةٍ لكن يدخر له الأجر العظيم عنده يوم الدين، يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر