.. والسبب الذي من أجله جرى لجبير ما جرى، أن وجود المخلوقات من غير خالق مستحيل، فإذا أنكروه وجحدوه، فهل خلقوا أنفسهم؟ إن ذلك أشد استحالة وأعظم بطلاناً، إذ كيف يتصور أن يخلق من لا وجود له؟ وكيف يتأتى من المعدوم التكوين والإيجاد؟ وإذا بطل الأمران، قامت عليهم الحجة بأن خالقهم الملك الرحمن، رب ما سيكون وما قد كان، لا إله إلا هو، ذو الجلال والإكرام.
... وحاصل معنى الآية الكريمة، أوجدوا من غير مبدع خلقهم؟ أم هم أوجدوا أنفسهم؟ والجواب الذي لا جواب غيره: لا هذا ولا ذاك، فهم يعلمون أنهم لم يكونوا من غير مكون كونهم ويعلمون – أيضاً – أنهم لم يكونوا أنفسهم، وعلمهم بذلك فطري لا يختلف فيه اثنان، وإذا انتفى الأمران تعين أن خالقهم هو الرحيم الرحمن، كما قال ربنا جل جلاله –: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} الواقعة 58-59 وقال – جل شأنه –: {إِنَّ اللهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} (?) .
... فآية الطور أشارت إلى دليل عظيم، تكرر ورده في كلام رب العالمين، وهو دليل السبر والتقسيم حسب المقرر عند الأصوليين، والمعروف بالتقسيم والترديد عند الجدليين.
وضابط هذا الدليل العظيم أنه متركب من أصلين:
أحصر أوصاف المحل، ويعبر عنه "بالتقسيم" عند الجدليين والأصوليين.