الوجه الثاني: يمكن إثبات ما عدا ما أثبته متأخروا الأشعرية من الصفات بنظير ما أثبتوا به تلك الصفات من العقليات، فيقال مثلا ً، نفع العباد بالإحسان إليهم يدل على الرحمة كدلالة التخصيص على الإرادة، كما قال الله – جل وعلا –: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} النحل5-7، وهكذا إكرام الله – جل وعلا – الطائعين يدل على محبته لهم، وعقابه – جل شأنه – للكافرين يدل على بغضه لهم وغضبه عليهم، كما ثبت ذلك بالشهادة، والخبر من إكرامه أوليائه، وعقاب أعدائه وهكذا أيضاً الغايات المحمودة، في مفعولاته ومأموراته – وهي ما تنتهي إليه مفعولاته ومأموراته من العواقب الحميدة – تدل على حكمته البالغة كما يدل التخصيص على الإرادة والمشيئة، بل وأولى، لقوة العلة الغائية، ولهذا كان ما في القرآن من بيان ما في مخلوقاته من النعم والحكم أعظم مما في القرآن من بيان ما فيها من الدلالة على محض المشيئة، قال الله – جل وعلا –: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} لقمان 8-11 فمجيء " خَلَقَ السَّمَاوَاتِ " إلى آخر الآية بعد قوله – جل وعلا –: " وَهُوَ الْعَزِيزُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015