فإن قالوا: إن ما عدا ما أثبتناه من الصفات الواجبات، لرب الأرض والسموات، يوهم مماثلة الخالق للمخلوقات، لذلك سلكنا فيه غير ما سلكناه في تلك الصفات الواجبات، فنقول: لا فرق بين الأمرين على الإطلاق، بل القول في أحدهما كالقول في الآخر بلا شقاق لأنك لو قلت: إن إرادته مثل إرادة المخلوقين، فكذلك محبته ورحمته، ومقته وغضبه، وهذا هو التمثيل، وأنت لا تقول به، وإن قلت: إن له إرادة تليق به، كما أن للمخلوق إرادة تليق به، قيل لك: وكذلك لله – جل وعلا – محبة تليق به، وللمخلوق محبة تليق به، ولله – جل وعز – غضب يليق به، وللمخلوق غضب يليق به.
... فإذا قلت: إن الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام، قيل لك: والإرادة ميل النفس إلى جلب منفعة، أو دفع مضرة، فإن قلت: هذه إرادة المخلوق، قيل لك: وهذا غضب المخلوق.
... وهكذا يقال أيضاً في الرد عليهم في ردهم الصفات الزائدة على ما أثبتوه إلى صفة القدرة ووجه ذلك أن يقال إن من فسر الرحمة بالإحسان والمثوبة والغضب بالإهانة والعقوبة فكل منهما فعل، ولابد من قيام ذلك بالفاعل أولا ً ثم إيقاعه على المفعول، فهم إن أثبتوا ذلك على مثل ما هو معقول في الشاهد للعباد مثلوا وهم لا يقولون بذلك، وإن أثبتوه على خلاف المعقول في الشاهد للعباد، فنقول لهم كذلك الأمر في الصفات.
... وصفوة الكلام أنه يلزمهم فيما صاروا إليه نظير ما يلزمهم فيما فروا منه، فإن فوضوا العلم بكيفية ما صاروا إليه في النهاية، نقول لهم: فوضوا العلم بذلك إلى الله من البداية، واسلكوا مسلك أهل التقى والهداية.
... فإذا قال الأشعرية المتأخرون: تلك الصفات أثبتناها بالعقل لأن الفعل الحادث يدل على القدرة، والتخصيص يدل على الإرادة والإحكام يدل على العلم، وتلك الصفات مستلزمة للحياة، والحي لا يخلو عن السمع والبصر والكلام، أو ضد ذلك، وضده مستحيل لأنه نقص، والله منزه عنه – سبحانه وتعالى – فثبت لله – جل وعز – صفة السمع والبصر والكلام.