ولذلك قال الإمام ابن القيم عليه رحمة الله فى طريق الهجرتين ومفتاح باب السعادتين ويقصد بالهجرتين هجرة إلى الله جل وعلا عن طريق عبادته وحده لا شريك له وهجرة إلى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام عن طريق متابعته دون اتباع إمام غيره عليه صلوات الله وسلامه بهاتين الهجرتين يحصل التوحيد الكامل الحق للمؤمن لعبادة الله وحده لا شريك له لا إله إلا الله حسبما شرع وبين وحسبما أحب وأراد محمد رسول الله عليه صلوات الله وسلامه يقول فى طريق الهجرتين فى أوائل كتابه فى صفحة خمسة وستة وما بعدها علة احتياج العالم إلى ربه أن العالم بأسره فقير وأن الله غنى وليست العلة فى احتياج العالم إلى الله الإمكان ولا الحدوث كما يقول الفلاسفة والمتكلمون فالمتكلمون علماء الكلام يقولون العلة فى احتياج العالم إلى ربه أنه حادث مخلوق والحادث لا بد له من محدث والمخلوق لا بد له من خالق والفلاسفة يقولون العلة فى احتياج العالم إلى الله جل وعلا أنه ممكن وجوده ممكن وعدمه ممكن ولا يرجح أحد الممكنين إلا إرادة مريد وقدرة قدير وهو الله جل وعلا يقول الإمام ابن القيم وهذا غلط الإمكان والحدوث علامتان على الفقر فهذا العالم مخلوق لأنه فقير لو كان غنيا لكان خالقا فإذن المخلوقية فيه علامة على فقره وليست المخلوقية فى العالم علامة على احتياج العالم إلى ربه وكون العالم ممكنا حدوثه وعدمه ويتصور وجوده وفناءه فالذى رجح أحد الأمرين هو إله عظيم هذا علامة على فقره لأنه لما كان فقيرا يتصور أن يوجد وأن لا يوجد وأما الله جل وعلا فلا يتصور زواله طرفة عين {كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} ، {إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون} فإذن فى هذه السورة وفى السور المكية بعد أن أشار ربنا جل وعلا إلى ما يتعلق به وما يتصف به أشار إلى حال العباد فهم فقراء وفقرهم على قسمين.