والأمر الثالث: الذى صاحب القرآن المجيد: فيه رحمة واسعة للعباد، فهذا تشريع من هو بعباده رؤوف رحيم وهو أرحم بهم من الوالدة بولدها، وهو أرحم بهم من أنفسهم {ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون} كما قال الله جل وعلا فى سورة الأعراف: {ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون} ، وقال الله جل وعلا فى سورة العنكبوت: {وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين. أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون} .
فهذا القرآن من رحمات الله بهذه الأمة بل هو من أعظم رحمة الله جل وعلا فى هذه الأمة إذا أخذت به وإنتفعت به. يقول الله لنبينا عليه الصلاة والسلام فى سورة القصص: {وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا للكافرين} فقد ذكر أئمتنا عليهم رحمه الله فى كتب التوحيد أن نعم الله على كثرتها تنقسم الى قسمين إثنين لا ثالث لهما.
القسم الأول: نعمة خلق وإيجاد {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون، وسخر لكم ما فى السماوات وما فى الأرض جميعا منه إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون} هذه النعمة الأولى، نعمة الخلق والإيجاد.
القسم الثانى: النعمة الثانية: نعمة الهداية والإرشاد، ونعمة الله على عباده بهدايتهم وإرشادهم للتى هى أقوم، أعظم بكثير من نعمته عليهم من خلقهم وإيجادهم، لأن غاية ما يقدر عند عدم النعمة الأولى أن الخلق فى العدم، وإذا كانوا فى العدم فلا حساب لاثواب ولا عقاب، وأما إذا لم تحصل النعمة الثانية فالخلق بعد وجودهم فسيتخبطون ويشقون ويضلون {فمن إتبع هداى فلا يضل ولا يشقى، ومن أرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا وتحشره يوم القيامة أعمى} .