وفي مسند الإمام أحمد وسنن بن ماجه بسند صحيح من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: [خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يختصمون في القدر فكأنما فقيء في وجهه حب الرمان من الغضب، ثم قال: بهذا أمرتم أو لهذا خلقتم؟، تضربون القرآن بعضه ببعض بهذا هلكت الأمم قبلكم] .
... ولذلك إذا ذكر القدر فأمسكوا وإياك أن تسترسل في هذه المباحث ولا أقول هذا الأمر لا تدركه العقول ولا تعلمه كما بينه لنا نبينا الرسول عليه الصلاة والسلام، لا أقول هذا لكن أقول البحث عن الحكمة في التقرير هو الذي لا تدركه العقول، فالعقول تدرك أن الله يعلم كل شيء وأنه قدره وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، لكن عندما تريد أن تسترسل في بيان الحكم فهذا في الحقيقة مجال للتعثر.
فإذا استرسل الإنسان في القدر وما عصمه الله وما حفظه قد يقع في إحدى ثلاث بليات:
1) بلية الزندقة: وهي توهم معارضةٍ بين أمر الله وقدر الله، فيُسلم بأن الله خالق كل شيء – وهذا بقدره – لكنه يقول: إن هذا يعارض أمره ونهيه، وهذا يدل على سفاهته وعدم حكمته، وهؤلاء قدرية زنديقية، ويقولون الله أمر ونهى وقدر وخلق لكن أمره ونهيه يعارض قدره وخلقه.
... أول من قال هذا إبليس حيث سلم بالخلق لكنه قال الأمر يخالف الحكمة لذلك أول المعترضين إبليس، أمره الله بالسجود فاعترض وقال كيف تأمر الفاضل أن يسجل للمفضول؟! أي أنت يا رب لا تعرف الحكمة سبحانه وتعالى عما يصفه الضالون علواً كبيراًً، الله أمرك يا إبليس أن تسجد فلماذا تفلسفت وصرت تقول: لم؟ وهذا ليس من شأنك أن تسأل عنه فالله رب العالمين يعلم الحكمة ويعلم الغيب وأنت لا تعلم شيئاً من ذلك فلماذا تعترض؟، وأنت لا تعرف شيئاً حتى عن نفسك هل تعرف ماهية روحك؟ لا أحد يعلم، فأنت كما قال الله (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) .
أنت آكل الخبز لا تعرفه ... كيف يجري فيك أم كيف تبول
كيف تدري من على العرش استوى ... لا تقل كيف استوى كيف النزول