.. ويقال لهم قدرية جبرية، وقدرية مشركة، لأنهم سيقولون كقول المشركين (لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء) أي: الله شاء لنا هذا وقسرنا عليه، وهذا هو قول المشركين تماماً!! (وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين) ، فقالوا لو شاء الله ما أشركنا ولو شاء الله ما عبدنا من دونه وهكذا قال الجبرية نحن مضطرون مجبرون وكل ما يجري منا فهو طاعة.
هذا القول معلوم بطلانه لعدة أمور:
أولها: كل واحد منها ذكراً كان أو أنثى، مؤمناً أو كافراً يشهد الفرق بين عمله الاضطراري وعمله الاختياري فهو إذن قول يصادم العقل ويعاكس الفطرة.
الثاني: قررت شريعة الله أنه إذا وجد الإكراه فلا تكليف ولا ثواب ولا عقاب ولا مدح ولا ذم [رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه] فإذا كان العبد مكرهاً مقسوراً فكيف إذن مدح الله الطائعين وذم العاصين وجعل لهؤلاء الجنة ولأولئك النار.
الثالث: الثواب والعقاب، والمدح والذم منوط ٌ بالأعمال الاختيارية لا بالأعمال الاضطرارية فلا يثاب الإنسان – كما تقدم معنا – على كونه ذكراً أو أنثى، إنما يثاب على كونه مطيعاً، ويعاقب إذا كان عاصياً.
الرابع: الطاعة لا تكون إلا بموافقة الأمر الديني الشرعي لا بموافقة الأمر الكوني القدري، فالإنسان لا يعتبر مطيعاً إلا إذا وافق ونفذ أمر الله الشرعي.
الخامس: وكنت أقوله للأخوة – يناقشون مناقشة فعلية لا قولية لأنه في الغالب لا تنفعهم المناظرة الكلامية أي اضربه بحيث تؤذيه فإذا قال لك: علام تضربني؟ قل له: قدر الله، وأنا مجبور وأنا مطيع كما تقولون فعلي كله طاعات فلا تلمني وأنا مُثاب لأنني نفذت مشيئة الله وإرادته، فإذا قال لك: أنت الذي رفعت يدك وأنت الذي ضربتني بها، فقل له: بطل مذهبك.