اجتمع في سفينة رجلان أحدهما: مجوسي والآخر معتزلي، فقال المعتزلي للمجوسي: أسلم، فقال المجوسي: حتى يريد الله، فقال المعتزلي: الله أراد لك الإسلام لكنك أنت الذي لم تُرِدْه والشيطان هو الذي لم يُرد لك الإسلام، فقال المجوسي، إذا أراد الله لي الإسلام والشيطان لم يرد لي الإسلام وغلبت إرادة الشيطان إرادة الرحمن فأنا مع أقواهما. أي إذا كان الشيطان يغلب الله، فلماذا تقول لي أسلم لله.
ونحن – أهل السنة – نقول لهذا المجوسي: أسلم، فإذا قال لنا حتى يريد الله، نقول هذه كلمة حق أريد بها باطل فلا نسلم له بجوابه، بل نقول له، الله أمرك بالإسلام ووضح لك الأمر وأزال عنك الأعذار فكتاب الله بين يديك وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بين يديك أيضاً حججٌ قائمة تدعوك للإيمان فيجب عليك أن تؤمن، فلا يجوز لك أن تتعلل بقدر الله – بعد ذلك – في عدم إيمانك، لأن قدر الله غيب، فلا يجوز أن تستدل بما لا تعلم وتقدم معنا أن القدر يستدل به في المصائب لا في المعايب.
فإذن جوابك حق أريد به باطل أريد به تبرئة النفس من المعصية والشين، نعم إذا لم يرد الله لك أن تصلي فلا يمكن أن تصلي، لكن من الذي أعلمك أن الله لم يرد لك الصلاة، ومن الذي يُعلم الإنسان أن الله قدر له السوء ولم يقدر له الخير، فتجده يتعلل بعد ذلك بهذا القدر.
وقلنا كل واحد يشهد من نفسه ضرورة التفريق بين ما جبر عليه وبين ما خيّر فيه، فما جبرت عليه لا اختيار لك فيه وأما ما خيرت فيه فلك فيه اختيار وهذا الاختيار يعلمه الله ويقدره ويحصل.