ضرب مكة بالمنجنيق حتى طارت القذائف إلى الكعبة فاحترقت وهدم قسم منها، وأُحصي عدد الأرواح التي قتلها الحجاج فبلغت – كما في شذرات الذهب لابن العماد (120.000) نفساً، وكلهم من الموحدين الذين يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله، وعلي رأسهم ابن عمر رضي الله عنهما، وعلى رأس المقتولين أيضاً الصحابي الجليل عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، قتله وصلبه ومثل به بعد ذلك في حرم الله في مكة وقد مر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قبل أن يُقتل بجوار عبد الله بن الزبير وهو مصلوب فقال مخاطباً إياه: رحمة الله عليك يا أبا خُبيب – وهذه كنية عبد الله بن الزبير – والله لقد كنت صواما ً قواما ً وإن أمة أنت شرها إنها على خير، فأرسل إليه الحجاج أحد شرطته فضربه بحربة مسمومة – وهو في صحن الطواف – لأنه قال هذه الكلمة لعبد الله بن الزبير، ثم مات بعد ذلك بسبب هذه الضربة، والحديث ثابت في الصحيح.
وكان يقول لأنس بن مالك رضي الله عنه أيها الشيخ الخرف، فذهب أنس إلي الشام من البصرة، إلى عبد الملك بن مروان يشكو الحجاج فقال: والله لو أن النصارى رأوا من خدم عيسي لأكرموه فكيف بمن خدم من هو أفضل من عيسى عليه السلام، خدم النبي صلى الله عليه وسلم ويهينني الحجاج، فأرسل عبد الملك بن مروان بعد ذلك إلي الحجاج: أنْ لا إمرة لك على أنسً ووالله لو رأى إنسان أنس بن مالك وعنده إيمان لقبل رجليه وليس رأسه ووالله لو كان يجوز شرب بوله لشربت بوله وتقربت بذلك إلى الله فهذا يخدم النبي صلى الله عليه وسلم.
فهل الحجاج يكون مجتهداً ضمن أدلة شرعية عندما قتل هؤلاء وأهانهم؟ وقد ورد في الحديث [ولا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما ً حراما ً] ولو اجتمع أهل الأرض على قتل نفس مؤمن لأكبهم الله على وجوههم في نار جهنم.