وعلى كل حال الحديث الطويل الذي ذكرناه هو ما قد أفادته عدة روايات، وإلا فرواية الصحيحين – وهي الرواية المشتهرة – ليس فيها التصريح بهذه الشفاعة العظمى للقضاء بين الخليقة بل اقتصر رواتها على ذكر شفاعة واحدة أخرى، ولكن يستفاد من نص الحديث في الصحيحين أن شفاعته ستكون للقضاء بين الخليقة بما ذكر في أول الحديث من اغتمام الناس وتضايقهم وكربهم وفزعهم من طول الاجتماع في هذا الصعيد الواحد، ثم إن ابن خزيمة بعد إيراده للحديث في كتابه (كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل) – أي الحديث الذي في الصحيحين – أراد أن يدلل على أن الشفاعة المذكورة فيه إنما هي الشفاعة التي يشفع بها النبي صلى الله عليه وسلم ليقضى بين الخلق حيث بوّب باباً بعد إيراده لرواية الصحيحين فقال: (باب ذكر الدليل على أن هذه الشفاعة التي وصفنا أنها أو الشفاعات هي التي يشفع بها النبي صلى الله عليه وسلم ليقضي الله بين الخلق فعندها يأمره الله عز وجل أن يدخل من لا حساب عليه من أمته الجنة من الباب الأيمن فهو أول الناس دخولاً الجنة من المؤمنين) ثم أورد حديثين يقرران ذلك: الأول: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم، وقال إن الشمس تدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن وبينما هم كذلك استغاثوا بآدم عليه السلام فيقول: لست بصاحب ذلك، ثم بموسى فيقول: كذلك ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم فيشفع ليقضى بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة الجنة فيومئذ يبعثه الله مقاماً محموداً يحمده أهل الجمع كلهم.