فأنت تقول (رب اغفر لي) تطلب من الله المغفرة، ويجئ آخر فيدعو لك فيقول: (اللهم اغفر له وأجب دعواه) فهذه شفاعة، فكان السائل والطالب فرداً واحداً، وعندما طلبت أنت تحقيق طلبه صيّرته شفعاً وزوجاً وصار الطلب من جهتين من السائل لنفسه ومن الشافع.
فالشافع إذن شفع السائل والطالب فصارا اثنين، فإذن شفع الشافع المشفوع له، وشفع الشافع المطلوب منه الشفاعة، حيث ضم الشافع رأيه إلى رأي من طُلبت منه الشفاعة فأنت ذهبت مثلاً إلى مدير تطلب منه حاجة، فأنا شفعت لك عنده فضممت صوتي إلى صوتك وصار الطلب من جهتين، وضممت رأيي إلى رأي المشفوع عنده.
إذن شفعت للمشفوع له، وللمشفوع عنده، فأعطيت رأيي مع صاحب الحاجة وأعطيت رأيي مع من سيقضي هذه الحاجة، فشفعت لهذا وشفعت مع هذا.
أما لهذا فطلبت قضاء حاجته. وأما ذاك فقد حرضته على قضاء حاجة الطالب فأنت شفعت لاثنين.
أو تقول: شفعت الطالب والمطلوب منه، شفعت الطالب واضحة، وشفعت المطلوب منه أي الذي سيقضي حاجة الطالب.
أو تقول: شفعت المشفوع له وشفعت المشفوع إليه، أو: شفعت المشفَّع والمشفِّع، فالمشفَّع هو طالب قضاء الحاجة والمشفِّع هو الذي سيقضي الحاجة، ولو ضربنا هذا مثلاً للخليقة مع ربهم جل وعلا، فالمشفِّع هو الله سبحانه وتعالى، والمشفَّع هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو غيره، فالرسول صلى الله عليه وسلم [أول شافع وأول مشفَّع] .
وقبل أن أنتقل إلى مباحث الشفاعة أحب أن أذكر مقدمة لها، وكل مباحثها تدور حول مبحثين فالشفاعة مطلوبة من المسلمين نحو بعضهم في الدنيا وفي الآخرة.
يقول تعالى عن الشفاعة في الدنيا: (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتاً) ، فقد حثنا الله تعالى في هذه الآية على الشفاعة الحسنة التي فيها قضاء مصالح العباد، وحذرنا من الشفاعة السيئة.