والراكب أعز وأبهى وأعلى مما لو أخذ إلى بيت المقدس في غير هذه الصورة، فلو نقل دون ركوب دابة فيكون قد وصل إلى بيت المقدس في صورة نائم مغمىً عليه، ولو قيل له: ضع خطوك من مكة إلى جهة بيت المقدس ففي خطوتين تصل إلى هناك فهذا يكون قد وصل في صورة ماش ٍ.

وأيها أعز الراكب أم النائم أو الماشي؟ بل الراكب، وانظر إلى ربنا ماذا يقول عن أهل الجنة (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً) والذي سيق دوابهم لا هم، فيسق المتقون وهم يركبون الدواب، فإذن يدخلون الجنة وهم يركبون الدواب والنجائب – جمع نجيبة وهي السباقة من الخيل الكريمة العتاق – ليكون أعز لهم وأبهى، ولا يساقون لأن سوق الإنسان منقصة له.

وهذا المعني أي معني الآية (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى..) يكاد يكون المفسرين مجمعين عليه وما خالف فيه إلا قليل، ولا يوجد أثر مرفوع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام في هذه الدلالة، وهي أن المتقين تساق نجائبهم، لكن أخذ المفسرون هذا من قول الله تعالى: (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً) قال ابن منظور في لسان العرب (4/480) الوفدهم الركبان المكرمون. وانظر إلى كلام الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره (15/285) يقول في حق الفريقين " وسيق بلفظ واحدة فسوق أهل النار طردهم إليها بالخزي والهوان كما يفعل بالأسارى والخارجين إلى السلطان إذا سيقوا إلى حبس أو قتل.

وسوق أهل الجنان سوق مراكبهم إلى دار الكرامة والرضوان لأنه لا يذهب بهم إلا راكبين كما يفعل بمن يشرف ويكرم من الوافدين على بعض الملوك، فشتان ما بين السوقين"

وهذا هو الذي ذكره الإمام ابن كثير في تفسيره (4/65) ، وهذا إخبار عن حال السعداء المؤمنين حين يساقون على النجائب وفداً إلى الجنة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015