وإنا إليه راجعون.
وعليه فلا بد في الخطيب المسلم الذي يتبوأ هذه المكانة العليا من التوجيه والإرشاد لهذه الأمة المستنيرة بالوحي الخالد، أن يكون أهلًا لهذا المقام علمًا بأصول الدين وعملًا بدستوره وقيمه ومثله، وإلا كانت خطبته في الناس سخرية عليه وموعظته لا تتجاوز الآذان فليحرص الخطيب ألا يخرج أحد من المصلين، المستمعين لخطبته خالي الوفاض، بل لا بد أن يخرج كل منهم وقد امتلأ قلبه. بمحبة الله، والتصميم على طاعته، والدعوة إليه، والجهاد في سبيله والرهبة منه، والخوف من معصيته.
لا يخرجن أحد من المسجد إلا بفائدة جديدة يكون قد استفادها من الخطيب تنير له السبيل في أمور آخرته أو حياته وعليه بالقرآن العظيم، فليشف صدورهم به، فكفى به هاديًا، وكفى بالموت واعظًا، وكفى برسول الله - صلى الله عليه وسلم- بشيرًا ونذيرًا.
وليعلم الأئمة والخطباء: أن الله سبحانه وتعالى قد حذّر من الغفلة عن ذكره، وتوعد على ذلك بأشد الوعيد فقال جل شأنه: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ - وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف: 36 - 37] ولقد شرع لنا - جل شأنه - من الفرائض ما ينبّه الغافل، ويذكّر الناس، فشرع لنا الصلوات الخمس كي تعين مقيمها على ذكره وشكره