خطبة المسجد الحرام - 9 ذو القعدة 1432 - اقتضاء القول العمل - الشيخ عبد الرحمن السديس
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه سبحانه وبحمده لم يزَلْ للثناءِ والحمدِ مُستحِقًّا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خصَّنا بشريعةٍ غرَّاء هي المَعينُ السَّلسالُ الأبقَى، من اعتصمَ بها ظاهرًا وباطنًا توقَّى وفازَ وترقَّى، وأشهد أن نبيَّنا وحبيبَنا محمدًا عبدُ الله ورسوله أزكى البريَّةِ سرًّا وعلانيةً وأتقى، صلَّى الله وبارَكَ عليه، وعلى آله الحائزين المكارِمَ أصلاً وسبقًا، وصحبِه البالغين من ذُرَى الدين المقامَ الأرقى، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ يرجو في الجِنانِ أهنَا ملقَى، وسلَّم تسليمًا كثيرًا ما أعقَبَ ودقٌ برقًا.
أما بعد، فيا عباد الله:
اتقوا الله حقَّ التقوى، اتقوه - جلَّ جلاله - مخبرًا ومظهرًا تُحقِّقوا عزًّا ترى ما أبرهًا، وتحُوزوا مجدًا أظهرًا، وتستعيدوا سُؤددًا غابرًا أزهرًا، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا [الطلاق: 5].
فما أروعَ الأيام إن زانَها التُّقَى وأضحَت مساعِي الجمعِ محمودةَ العُقبَى
ففي تقوى الإلهِ السنيَّةِ حلَّقَت نفوسٌ إلى عليَائِها تنشُدُ القُربَى
أيها المسلمون:
في عصر الماديات واعتسافِها، وذُبُولِ الروحِ وجفافِها، واجتِثاثِ كثيرٍ من القِيَم وانتِسافِها، وشُرُودِ النفوس دون صحيحِ التديُّنِ وانصِرافِها؛ تغلغَلَت في الأمةِ آفةٌ قَحِلَة، جَرذَاءُ محِلَة، برَّحَت بالأمةِ وأوهَتها، وطوَّحَت بها وأضنَتها، كيف وإنها لتبُكُّ الفيالِقَ المُجنَّدَة والقواضِبَ المُهنَّدة؛ لذلك حذَّر منها الباري وندَّد، أكبَرَ في أمرها المقتَ وشدَّد، تلكم هي - حماكم الله -: الانفِصامُ بين العمل والقول، وما أشنَعه من هَوْل، وتبايُنُ الخُبُر عن الخَبَر في انحرافٍ عن سَوِيِّ الفِطَر، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف: 2، 3].
الله أكبر! فكم هم الذين يجمَعون في ذواتِهم الصفات المُتناقِضات دون تأثُّمٍ وحرجٍ، سائرين إلى ربِّهم في ضلَعٍ وعِوَج، فكان ذلكم الانفِصامُ الوَبِيء بين العقيدةِ والقِيَم، والعبادات والأخلاق، والشعائرِ والمشاعِر سببًا في تقهقُرِ أمتنا وعجزِها عن بلاغِ رسالتِها في العالمين.
إخوة الإيمان:
ولتحقيق معالمِ الكمال الربانية للشخصيةِ المُسلِمة السويَّة جاء الإسلامُ بجمهرةٍ من الضوابطِ الخُلُقية والفكرية والآداب النفسية والاجتماعية لاستبقاءِ التديُّن حقًّا شفيفًا مُزهِرًا في الجَنان، حقيقةً مُثمِرةً في الأركان، حقيقةً مُؤتلِقَةً في العِيان، يقول - سبحانه - عن نبيِّه شُعيب - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام -: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ [هود: 88]، وهؤلاء رُسُل الملك العلاَّم هم قُدوةُ الأنام فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: 90].
في الأثر عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "إن الناسَ قد أحسَنوا القولَ؛ فمن وافقَ قولُه فعلَه فذاكَ الذي أصابَ حظَّه، ومنن خالَفَ قولُه فعلَه فذاكَ إنما يُوبِّخُ نفسَه".
إذا نصَبوا للقول قالوا فأحسَنوا ولكنَّ حُسنَ القولِ خالَفَهُ الفعلُ
نعم - يا رعاكم الله -؛ كم تستبيكَ الأقوالُ المُخرفَةُ المُبهرَجة، وما هي في الحقيقةِ - إذا عجَنتَ صاحبَها - إلا الهباءُ تذرُوهُ الرياح، وتأسِرُكَ النظرياتُ المُطرَّزة، وما هي - إذا بلوتَ تالِيَها - إلا النُّكرُ والجُناح، فالقائلُ بليغٌ مُفوَّه، والحديثٌ آسِرٌ مُموَّه، والفعلُ - من أسفٍ - خِداجٌ مُشوَّه، يُظهِرُ باللسان الأُخُوَّةَ المَديحة، ويُبطِنُ بالفِعال العداوةَ الصريحَة، وقد كشفَهم الحقُّ في قوله - جلَّ جلاله -: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ [البقرة: 204].
أما دَرَى هؤلاء أن امتثالَ الأحكام بالأركان أجلُّ من الحديثِ عنها بصَوغِ اللسان؟! شتَّان بينهما شتَّان!
والقولُ ما لم يكن بالفعلِ مُقترِنًا فإنه عَرَضٌ في حيِّزِ العَدَمِ
وفي مأثورِ الحِكَم: "القولُ خُلَّب، والفعلُ قُلَّب، وأصدقُ المقال ما نطَقَت به صورُ الفِعال".
أمة الإسلام:
الحديثُ عن آفةِ الانفِصالِ في الأقوال والأفعال والتبايُنِ بينهما دون استِحكام مُرُّ المذاق، مُجرٍ لعَبَراتِ الأحداق، فكم هم الذين ظاهِرُهم الديانة انحرَفوا في مسائل الاعتقاد، فاستغاثُوا بالرُّفاتِ يرجُونَهم قضاء الحاجات وتفريجَ الكُرُبات، وهذا الاعتقادُ الفاسِدُ خالَفَ الظاهِرَ الكاسِد.
وآخرُون يُعدُّون في الأفاضِلِ الأخيار، إذا لاحَ لهم عَرَضٌ من الدنيا مشبُوه أجلَبوا عليه بخيلِ التأويل، واستحَلُّوه بكل دليلٍ وتعليل، ونبَذُوا اتِّقاءَ الشُّبُهات ظِهرِيًّا، وغَدَا ما يدعُون إليه من الورَع نسيًّا منسيًّا، وعلى سَنَنهم: من يتأوَّلُ النصوصَ مُترخِّصًا، ويفتَئِتُ على الله مُتخرِّصًا.
وآخرُون ظاهرُهم الخيرُ والصلاح، والرَّصانةُ والسماح، إذا انفَتَلَ أحدُهم إلى بيتِه أمسَى شرُّه مُستطيرًا، ومُحيَّاه عَبوسًا قمطريرًا، واستغلَّ قِوامَته في حقٍّ غير مشروع؛ فأرهَقَ أهلَه واستولَى على حقوقِهم غيرَ عابِئٍ بنَصَبِهم وكَلالِهم.
وذلك هو اللُّؤمُ المرذُول، والتديُّنُ الآثِمُ المدخُول، وقد يُبادَلُ بالنُّشوزِ والإهمال، وتضييعِ الواجباتِ والإغفال، في انفِصامٍ زَمِل بين العبادات والقِيَم، وما يكون في المسجد وكما يحدُثُ في البيوت والأسواق وصور التعامُل وغير ذلك من مظاهر تخفَى وراءها غُرَرٌ تقشعِرُّ لها الأبدان، وعِلَلٌ تثلِمُ الأديان.
ربَّاه ربَّاه؛ أيُّ أقوالٍ مُتعاكِسة وأفعالٍ مُتشاكِسة طوَّحَت بفِئامٍ في دَيجُورِ الهَوالِك الحَوالِكِ.
إذا فعل الفتَى ما عنه يُنهَى فمن جهتَين لا جهةٍ أساءَا
وفي أمثال هؤلاء يقول الإمام العلامة ابن القيم - رحمه الله -: "ومن العجب أن ترى الرجلَ يُشارُ إليه بالدين والزُّهدِ والعبادة وهو يتكلَّمُ بالكلمات من سخَطِ الله لا يُلقِي لها بالاً، يذِلُّ بالواحِدة منها أبعدَ ما بين المشرقِ والمغربِ". اهـ كلامُه - رحمه الله -.
فهل يعِي ذلك الزاعِمون التحقُّق بالدين وهم طعَّانون في فُضلاءِ الأمةِ وأخيارِها، مُتنقِّصون لسلَفِها ورُمُوزها، مُتنحِّلين لهم المَثالِب مع إشهارِها، يُذكُونَ الفتنَ دونهم، والعامةُ بالتبجِيلِ والحُبِّ يرمُقُونَهم؛ بل حازُوا الفضلَ برُمَّته، والنُّبلَ بأزِمَّته.
أليس المؤمنُ الصدُوقُ مظهرًا ومَخبرًا يُبصِرُ الحقَّ فيرتَقِيه، ويلحَظُ الباطلَ فيتَّقيه؟! بلى وربَّي.
والغريبُ: ظنُّهم أن أعمالَهم على سَنَنِ السَّدادِ والصواب، وقَبُولُها أدنَى من القَاب، وهي - لفَرَطاتِهم وانفِصامهم - أنأَى عن الحقِّ من العُقاب، في خلطٍ عجيبٍ ازدَوَجت فيه المعايير بين الأُصولِ والفروع، والقطعيَّات والظَّنِّيات، والمُسلَّماتِ المُحكَمات والمُتشابِهات، والكُلِّيات والجُزئيَّات، والعبادات والعادات، والثوابِت والمُتغيِّرات.
معاشِرَ الأحِبَّة:
ومما ينسلِكُ في ازدِواجِ الأقوالِ مع الفِعال: المُزايَدةُ على قضايا المرأة، وإثارةُ النَّقْع حولها من قِبَلِ فضائيَّاتٍ مأجورة، وأقلامٍ مسعُورة، تُظهِرُ القولَ النفيس، وتُبطِنُ الزَّيفَ والتدليس.
وهيهَاتَ هيهَات! فشريعتُنا الغرَّاءُ - بحمد الله - كفَلَت للمرأةِ مكانتَها الاجتماعية المُؤثِّرةَ الأثِيلَة، الفاعِلَةَ الجليلة عُنصرًا في الأمة نهَّاضًا بالعِبئِ بما يُلائِمُ طبيعتَها وأُنوثَتَها على هديِ المقاصِد الكُليَّة والضوابطِ الشرعيَّة، ولكن لله دَرُّ القائل:
وعُذرُهم حَتمٌ عليَّ، فالزَّمَن فيه السليمُ، والمُلِيمُ، والزَّمِن
فعلى رِسْلِكم أيها المُزايِدون على رسالة المرأة، المُتبَاكُون على قضاياها، ويا مَن يرسُفُون في رِبقَةِ الازدِواجيَّةِ أكْتَع: ليكُن مِلئَ عيونكم وهتْفَ أرواحِكم قولُ المولى - عزَّ وجل -، لتُحقِّقوا من زَكاءِ النفس أعظمَ أمل، يقول - سبحانه -: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ [البقرة: 235].
أمة الإسلام:
ومما أجرى شَآبيبَ المَدمَع وأغمَّ وزَعزَع: تديُّنٌ مغشوشٌ من بُغاةٍ وطُغاةٍ أحالُوا شُعوبَهم إلى البَوَار، واعتَسَفوهم بالحديد والنار دون وَجَلٍ من المُنتقِمِ الجبَّار، أو خَفقَةٍ إنسانيَّة تُخفِّفُ ذيَّاكم التسلُّطَ الكُبَّار، مُتشدِّقين بحفظِ النظام وبَسطِ الاستقرار.
فسبحان الله - عباد الله -؛ أما لهذا الطغيان من حدٍّ، أم لهذا الظلم لإخوانكم من ردٍّ؟!
أيُّ عدوانٍ صلِفٍ مَهول، بل أيُّ عُتاةٍ أشبَهوا بَأْوَ التتار والمَغول؟!
فإلى الله المُشتَكى، إلى الله المُشتكى، ولا حول ولا قوةَ إلا بالله تفجُّعًا واستفظَاعًا، وارتِياعًا واستِرجاعًا.
هذا؛ وإن العالمَ ليَحدُوه الأملُ في استئنافِ وتفعيلِ تنفيذِ مُبادَرة قيادةِ هذه البلاد المُبارَكة الكريمة الحكيمة في حقنِ دماءِ المُسلمين، ونَزعِ فتيلِ القمعِ والتقتيل للأبرياء المُضطهَدين والعُزَّلِ المقهورِين، لِما لهَا - بفضل الله - من الثِّقَلِ السياسيِّ والتقديرِ العالمِيِّ الدوليّ، وكذا في الأقطار التي امتَطَت للتفاوُض البارُودَ والنار.
دُمتُم للأمة رُوَّاد تراحُمٍ وسلام، وقادةَ عِزٍّ للمؤمنين ووِئام.
أما دُعاة الفِتنة، ومُثيرُو الشَّغَب ومن يقِفُ وراءَهم، والمُخِلُّون بالأمنِ والاستِقرار، والسَّاعُون بالفسادِ والفوضَى المُشهِرون للسلاح، المُقوِّضون لوحدَة البلاد الشرعية والوطنية، المُفتَاتون على ولاةِ الأمر، المُفارِقون للجماعة، فلا مكان لهم في بلاد الحرمين - حرسَها الله -، بلاد التوحيد والوَحدة، ومهدِ السنةِ والجماعة، ولن يُؤثِّروا - بفضل الله ومَنِّه - على منظُومةِ لُحمَةِ بلادنا المُتألِّقة ونسيجِها الأمنِيِّ المُتميِّز، وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال: 30].
وبعدُ، أحبَّتنا الأكارم:
فهُنا استِصراخٌ للأفراد والجماعات، والأُمَم والمُجتمعات، أن لا بُدَّ من الأَوبَةِ إلى الشفافيَةِ والسَّدادِ، وامتِثالِ طرائقِ الواقعيَّةِ والرَّشاد، فلطالَما غرِقَ أقوامٌ في لُجَجِ المُداجاةِ والخِداع، ولشَدَّ ما استحكَمَت فيهم آفةُ الاستئذابِ في الطَّباعِ، فتردَّوا في بئيسِ الضياع.
وأن لا بُدَّ أيضًا أن يكون منكم بحُسبان كونُ عظمةِ المُسلمِ في إشراقِ رُوحه، ونقاوَةِ جوهره، ومِصداقيَّةِ قولِه، ونَصاعَة مظهَرِه، وتألُّقِ وسطيَّتِه واعتِدالِه، قد تأرَّجَت بالصَّفاءِ جَداوِلُ وُرودِه، وتفتَّحَت على التُّقَى أكمامُ وُرودِه.
فتبارَك ربُّنا الذي يمُدُّ عبادَه المُخلصين بالهُدى والتوفيق، والاستقامة الهاديةِ إلى أبلَجِ طريق، بذلك تسترِدُّ أمتُنا شرفَها التالِدَ المجيد، وتستنقِذُ عِزَّها الشامِخَ الفريد، وما ذلك على المولَى القديرِ بعزيز.
وفَّق الله الجميعَ لما يُحبُّه ويرضاه، ووقَانا ما يُسخِطُه - سبحانه - ويأباه، إنه جوادٌ كريم.
أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولكافةِ المسلمين والمسلمات من كل الذنوب والخطيئات، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مبارَكا فيه يُبلِّغُنا من الرحمن رِضًا وقُربًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً محمودةَ العُقبَى، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله أزكَى البريَّة رُوحًا وقلبًا، صلَّى الله عليه وعلى آلهِ الأُلَى فعِمَت قلوبُهم صفاءً وحُبًّا، وصحابتِه الأبرار السادةِ النُّجَبا القائدين للحق والحقيقة جَحفَلاً لجْبًا، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله -، اتقوه في السرِّ والعلَن، واحذَروا مُخالفَةَ الفعل الذميمِ لقولِكم الحَسَن؛ تبلُغوا مرَاضِيَ الرحمن وأعظمَ المِنَن.
إخوة الإيمان:
ولانتِشالِ أمتنا الإسلامية من أوهاقِ الازدِواجيَّة والانفِصام إلى إحكامِ التوازُنِ والانسِجام بين الفِعالِ والأقوال؛ لزِمَ بناءُ الشخصيةِ القُدوةِ الحانِيَة والأُسوَة المُتجرّدة البانِيَة، ذات المعدِن الزكِيِّ العريق، المُتجذِّرِ الوَثيق بين الحالِ والمَقالِ والمآلِ، قُدوةٌ أمرُها كنهيِها، سِرُّها كجهرِها، معًا نبني أجيالاً رِجالاً في الاعتقاد والتصديق، أبطالاً في ميدانِ التحقُّقِ والتطبيق، يُترجِمون التديُّن الصحيحَ المتين الراسِخَ الرَّصين غلى جلائلِ الأعمال، ونوابِغِ الأقوال، ومعالِي الكمال، يُناهِضون الادِّعاءَ والرياءَ والنفاقَ، ويجعلونَ الطُّهرَ والألَق ميدانَ تنافُسٍ واستِباقٍ، لا ترى في خُبْرِهم وخبَرَهم إلا الشفافيَة الصدَّاحَة، وفي مواقِفِهم ومبادئِهم غيرَ المِصداقيَّةِ الفوَّاحَة التي لا تنبجِسُ إلا عن حقيقةِ الاقتِداء بالحبيبِ المُصطفَى - صلى الله عليه وسلم -، وَفقَ هديِهِ القَويمِ، على نورٍ من الله الحكيم.
وتلك - وايمُ الحق - من الإسلام دُرَرُه وخلائِقُه، وبدائِعُه وحقائِقُه، وعلى ضوءِ تلك المعايير الدقيقة، والمضامِين الثمينةِ الَريقَة ستتبوَّأ أمتُنا - بإذن الله - قِمَمَ العِزِّ والإشراق، والشُّمُوال في معارِجِ الحق والتُّقَى والائتلاق، عملاً واتِّصافًا وابتِدارًا، ودعوةً واعتِزازًا وانتِصارًا، وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [الصف: 8].
هذا؛ وصلُّوا وسلِّموا - رحمكم الله - على الحبيب المُصطفَى والرسولِ المُقتَفَى خيرِ من دعا للحقِّ فشَفَا، في الجهرِ والخَفا، كما أمركم ربُّكم - جل وعلا -، فقال تعالى قولاً كريمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا».
وصلِّ إلهِي وسلِّم سلامًا على أفضلِ الخلقِ ماحِي البِدَع
وآلٍ وصحبٍ وأهلِ صلاحٍ ومن سارَ في دربِهم واتَّبَع
وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، الأئمةِ المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأدِم الأمنَ والاستقرارَ في رُبُوعِنا، اللهم احفَظ على بلادنا عقيدَتَها وقيادَتَها وأمنَها واستقرارَها ورخاءَها، اللهم من أرادَنا وأرادَ عقيدَتَنا وقيادتَنا وأمنَنا بسُوءٍ فأشغِله بنفسه، ورُدَّ كيدَه في نحرِه، واجعل تدبيرَه تدميرَه يا سميعَ الدعاء.
اللهم أدِم على هذه البلاد الخيراتِ والبَركات، حارِسةً للعقيدة والشريعة والفضيلة، وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفَين لما تحبُّ وترضى، اللهم خُذ بناصيَته للبرِّ والتقوى، وهيِّئ له البِطانةَ الصالحة التي تدلُّه على الخير وتُعينُه عليه، اللهم وفِّقه ونائبَيْه وإخوانَه وأعوانَه لما فيه صلاحُ البلاد والعباد، يا من له الدنيا والآخرةُ وإليه المعاد.
اللهم احفَظنا في أنفسنا وديننا وأموالِنا وأعراضِنا وعقولنا يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أصلِح أحوالَ المسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوالَ المسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوالَ المسلمين في كل مكان، اللهم أنقِذ المسجدَ الأقصى من الغاصِبين المُحتلِّين المُعتدين، اللهم أرِنا بالصهايِنة المُعتدين والطُّغاة الظالمين عجائبَ قُدرتك، يا حيُّ يا قيُّوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم احقِن دماءَ المسلمين، اللهم احقِن دماءَ المسلمين، اللهم احقِن دماءَ المسلمين في كل مكان، اللهم انصر إخواننا في فلسطين، اللهم احفَظ الأمنَ في العراق وفي سوريا وفي ليبيا وفي اليمن وفي كل مكان، اللهم أدِم الأمنَ والاستِقرارَ في يمَنِنا وشامِنا وكل مكانٍ يا حيُّ يا قيُّوم.
اللهم احفَظ رِجالَ أمنِنا، ودُروعَ وطنِنا، وليُوثَ عرينِنا، اللهم احفَظنا وإياهم من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وشمائِلنا، ونعوذُ بعظَمتك أن نُغتالَ من تحتنا، اللهم اغفر لشهدائهم، اللهم ارحَم شُهداءَهم، اللهم عافِ جرحاهم، واشفِ مرضاهم، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمُسلِمات، والمؤمنين والمؤمِنات، وألِّف بين قلوبِهم، وأصلِح ذاتَ بينهم، واهدِهم سُبُل السلام، وجنِّبهم الفواحِشَ والفِتن ما ظهرَ منها وما بطَن.
اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين، ونفِّس كربَ المكروبين، اللهم اكشِف الغُمَّة عن هذه الأمة، اللهم اكشِف الغُمَّة عن هذه الأمة، اللهم اكشِف الغُمَّة عن هذه الأمة، يا حيُّ يا قيُّوم يا ذا الجلال والإكرام.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة: 201]، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف: 23].
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر: 10].
سبحان ربِّك ربِّ العِزَّة عما يصِفون، وسلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله ربِّ العالمين.