ثم يختم الفقرة بالرجوع إلى محورها الأصيل: شخص الرسول - صلى الله عليه وسلم - ورسالته وعظم المنة بها على المؤمنين. «لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ، وَيُزَكِّيهِمْ، وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ، وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ» ..
إن ختام هذه الفقرة بهذه الحقيقة الكبيرة. حقيقة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقيمتها الذاتية، وعظم المنة الإلهية بها، ودورها في إنشاء هذه الأمة وتعليمها وتربيتها وقيادتها، ونقلها من الضلال المبين إلى العلم والحكمة والطهارة .. إن هذا الختام يتضمن لمسات قرآنية كثيرة منوعة عميقة:
إنها تجيء ابتداء تعقيبا على الغنائم والطمع فيها والغلول، والانشغال بهذا الأمر الصغير، الذي كان الانشغال به هو السبب المباشر الذي قلب الموقف في المعركة، وبدل النصر هزيمة، وفعل بالمسلمين الأفاعيل .. فالإشارة إلى حقيقة الرسالة الكبيرة، والمنة العظيمة المتمثلة فيها، لمسة عميقة من لمسات التربية القرآنية الفريدة. تبدو في ظلها غنائم الأرض كلها، وأسلاب الأرض كلها، وأعراض الأرض كلها، شيئا تافها زهيدا، لا يذكر ولا يقدر. شيئا تخجل النفس المؤمنة أن تذكره، بل تستحي أن تفكر فيه! فضلا عن أن تشغل به! وهي تجيء في سياق الحديث عن الهزيمة والقرح والألم والخسارة التي أصابت الجماعة المسلمة في المعركة ..
فالإشارة إلى تلك الحقيقة الكبيرة، وما تمثله من منة عظيمة، لمسة عميقة من لمسات التربية القرآنية العجيبة، تصغر في ظلها الآلام والخسائر، وتصغر إلى جانبها الجراح والتضحيات. على حين تعظم المنة، ويتجلى العطاء الذي يرجح كل شيء في حياة الأمة المسلمة على الإطلاق.
ثم .. الإشارة إلى آثار هذه المنة في حياة الأمة المسلمة «يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ، وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ» .. وهي تشي بالنقلة من حال إلى حال، ومن وضع إلى وضع، ومن عهد إلى عهد. فتشعر الأمة المسلمة بما وراء هذه النقلة من قدر اللّه الذي يريد بهذه الأمة أمرا ضخما في تاريخ الأرض، وفي حياة البشر، والذي يعدها لهذا الأمر الضخم بإرسال الرسول - صلى الله عليه وسلم - فما ينبغي لأمة هذا شأنها، أن تشغل بالها