تخوضها الأمة معروف. فالنهي عن أكل الربا في سياق التعقيب على المعركة الحربية أمر يبدو إذن مفهوما في هذا المنهج الشامل البصير ..
أما التعقيب على هذا النهي بالأمر بتقوى اللّه رجاء الفلاح واتقاء النار التي أعدت للكافرين .. أما التعقيب بهاتين اللمستين فمفهوم كذلك وهو أنسب تعقيب:
إنه لا يأكل الربا إنسان يتقي اللّه ويخاف النار التي أعدت للكافرين .. ولا يأكل الربا إنسان يؤمن باللّه، ويعزل نفسه من صفوف الكافرين .. والإيمان ليس كلمة تقال باللسان إنما هو اتباع للمنهج الذي جعله اللّه ترجمة عملية واقعية لهذا الإيمان. وجعل الإيمان مقدمة لتحقيقه في الحياة الواقعية، وتكييف حياة المجتمع وفق مقتضياته.
ومحال أن يجتمع إيمان ونظام ربوي في مكان. وحيثما قام النظام الربوي فهناك الخروج من هذا الدين جملة وهناك النار التي أعدت للكافرين!
والمماحكة في هذا الأمر لا تخرج عن كونها مماحكة .. والجمع في هذه الآيات بين النهي عن أكل الربا والدعوة إلى تقوى اللّه، وإلى اتقاء النار التي أعدت للكافرين، ليس عبثا ولا مصادفة. إنما هو لتقرير هذه الحقيقة وتعميقها في تصورات المسلمين.
وكذلك رجاء الفلاح بترك الربا وبتقوى اللّه .. فالفلاح هو الثمرة الطبيعية للتقوى، ولتحقيق منهج اللّه في حياة الناس .. ولقد سبق الحديث في الجزء الثالث عن فعل الربا بالمجتمعات البشرية، وويلاته البشعة في حياة الإنسانية. فلنرجع إلى هذا البيان هناك. لندرك معنى الفلاح هنا، واقترانه بترك النظام الربوي المقيت!
ثم يجيء التوكيد الأخير: «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» .. وهو أمر عام بالطاعة للّه والرسول، وتعليق الرحمة بهذه الطاعة العامة. ولكن للتعقيب به على النهي عن الربا دلالة خاصة. هي أنه لا طاعة للّه وللرسول في مجتمع يقوم على النظام الربوي ولا طاعة للّه وللرسول في قلب يأكل الربا في صورة من صوره .. وهكذا يكون ذلك التعقيب توكيدا بعد توكيد ..
وذلك فوق العلاقة الخاصة بين أحداث المعركة التي خولف فيها أمر رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وبين الأمر بالطاعة للّه وللرسول، بوصفها وسيلة الفلاح، وموضع الرجاء فيه ..