إن الذين يستنكفون أن يكونوا عبيدا للّه وحده، يقعون من فورهم ضحايا لأحط العبوديات الأخرى. يقعون من فورهم عبيدا لهواهم وشهواتهم ونزواتهم ودفعاتهم فيفقدون من فورهم إرادتهم الضابطة التي خص اللّه بها نوع «الإنسان» من بين سائر الأنواع وينحدرون في سلم الدواب فإذا هم شر الدواب، وإذا هم كالأنعام بل هم أضل، وإذا هم أسفل سافلين بعد أن كانوا - كما خلقهم اللّه - في أحسن تقويم. كذلك يقع الذين يستنكفون أن يكونوا عبيدا للّه في شر العبوديات الأخرى وأحطها .. يقعون في عبودية العبيد من أمثالهم، يصرفون حياتهم وفق هواهم، ووفق ما يبدو لهم من نظريات واتجاهات قصيرة النظر، مشوبة بحب الاستعلاء، كما هي مشوبة بالجهل والنقص والهوى! ويقعون في عبودية «الحتميات» التي يقال لهم: إنه لا قبل لهم بها، وإنه لا بد من أن يخضعوا لها ولا يناقشوها .. «حتمية التاريخ» .. و «حتمية الاقتصاد» .. و «حتمية التطور» وسائر الحتميات المادية التي تمرغ جبين «الإنسان» في الرغام وهو لا يملك أن يرفعه، ولا أن يناقش - في عبوديته البائسة الذليلة - هذه الحتميات الجبارة المذلة المخيفة! (?)