ثم يختم الفقرة بالتعقيب على موقف المكذبين بهذه الآيات الكبرى: «وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ. مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ، وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» ..
فيقرر حقيقة حالة المكذبين وطبيعتهم .. إنهم صم وبكم في الظلمات .. ويقرر سنة اللّه في الهدى والضلال .. إنها تعلق مشيئة اللّه بهذا أو ذاك، وفق الفطرة التي فطر اللّه عليها العباد.
بذلك تلتئم جوانب التصور الإسلامي للأمر كله. إلى جانب وضوح المنهج في الدعوة، وتقرير موقف صاحب الدعوة، وهو يتحرك بهذه العقيدة، ويواجه النفوس البشرية في كل حال وفي كل جيل .. (?)
لقد كان اللّه سبحانه يعلم أن هذا هو المنهج القويم لتربية الجماعة الأولى وتكوين القاعدة الصلبة لهذه العقيدة.
وأنه بدون هذه المحنة الطويلة لا تصلب الأعواد ولا تثبت للضغوط وأن هذه الدرجة من الصلابة والخلوص والتجرد والإصرار والمضي في سبيل اللّه على الأذى والعذاب والقتل والتنكيل والتشريد والتجويع، وقلة العدد، وانعدام النصير الأرضي ... إن هذه الدرجة هي وحدها التي تصلح للقاعدة الأصيلة الثابتة عند نقطة الانطلاق الأولى ..
إن هذه القاعدة الصلبة من المهاجرين الأوائل هي التي انضم إليها السابقون من الأنصار، ليكونوا القاعدة في المدينة - قبل بدر - وليكونوا هم الحراس الأقوياء الأشداء في فترة التخلخل التي أعقبت النصر في بدر، بالتوسع الأفقي الذي جاء بأعداد جديدة لم تنضج بعد، ولم تتناسق مع القاعدة في مستواها الإيماني والتنظيمي.
وأخيرا فإن القاعدة الصلبة التي اتسعت أبعادها قبيل الفتح، حتى صارت تتمثل في المجتمع المدني بجملته، هي التي حرست الإسلام وصانته من الهزات بعد الفتح ثم من الهزة الكبرى بعد وفاة رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وارتداد الجزيرة عن الإسلام.
إن هذه الحقيقة - كما أنها ترينا تدبير اللّه الحكيم في المحنة الطويلة التي تعرضت لها الدعوة في مكة وفي الأهوال والمشاق والأخطار التي تعرض لها المجتمع المسلم في المدينة حتى