والمخالفين. وأنه قبل تقرير تلك العقيدة تظل القيم كلها متأرجحة وتظل الأخلاق التي تقوم عليها متأرجحة كذلك بلا ضابط، وبلا سلطان، وبلا جزاء! فلما تقررت العقيدة - بعد الجهد الشاق - وتقررت السلطة التي ترتكن إليها هذه العقيدة .. لما عرف الناس ربهم وعبدوه وحده .. لما تحرر الناس من سلطان العبيد، ومن سلطان الشهوات سواء .. لما تقررت في القلوب: «لا إله إلا الله» .. صنع اللّه بها وبأهلها كل شيء مما يقترحه المقترحون.
تطهرت الأرض من الرومان والفرس .. لا ليتقرر فيها سلطان العرب .. ولكن ليتقرر فيها سلطان اللّه ..
لقد تطهرت من الطاغوت كله: رومانيا وفارسيا وعربيا على السواء.
وتطهر المجتمع من الظلم الاجتماعي بجملته. وقام النظام الإسلامي يعدل بعدل اللّه، ويزن بميزان اللّه، ويرفع راية العدالة الاجتماعية باسم اللّه وحده؟ ويسميها راية الإسلام، لا يقرن إليها اسما آخر ويكتب عليها: «لا إله إلا اللّه»! وتطهرت النفوس والأخلاق، وزكت القلوب والأرواح دون أن يحتاج الأمر إلى الحدود والتعازير التي شرعها اللّه - إلا في الندرة النادرة - لأن الرقابة قامت هنالك في الضمائر ولأن الطمع في رضى اللّه وثوابه، والحياء والخوف من غضبه وعقابه قد قامت كلها مقام الرقابة ومقام العقوبات ..
وارتفعت البشرية في نظامها، وفي أخلاقها، وفي حياتها كلها، إلى القمة السامقة التي لم ترتفع إليها من قبل قط والتي لم ترتفع إليها من بعد إلا في ظل الإسلام ..
ولقد تم هذا كله لأن الذين أقاموا هذا الدين في صورة دولة ونظام وشرائع وأحكام كانوا قد أقاموا هذا الدين من قبل في ضمائرهم وفي حياتهم، في صورة عقيدة وخلق وعبادة وسلوك. وكانوا قد وعدوا على إقامة هذا الدين وعدا واحدا، لا يدخل فيه الغلب والسلطان .. ولا حتى لهذا الدين على أيديهم .. وعدا واحدا لا يتعلق بشيء في هذه الدنيا .. وعدا واحدا هو الجنة .. هذا كل ما وعدوه على الجهاد المضني، والابتلاء الشاق، والمضي في الدعوة، ومواجهة الجاهلية بالأمر الذي يكرهه أصحاب السلطان، في كل زمان وفي كل مكان، وهو: «لا إله إلا اللّه»! فلما أن ابتلاهم اللّه فصبروا ولما أن فرغت نفوسهم من حظ