إن شريعة اللّه لا تستفتى إلا ليطبق حكمها وينفذ .. فإذا كان المستفتي والمفتي كلاهما يعلمان أنهما في أرض لا تقيم شريعة اللّه ولا تعترف بسلطان اللّه في الأرض وفي نظام المجتمع وفي حياة الناس .. أي لا تعترف بألوهية اللّه في هذه الأرض ولا تخضع لحكمه ولا تدين لسلطانه .. فما استفتاء المستفتي؟ وما فتوى المفتي؟ إنهما - كليهما - يرخصان شريعة اللّه، ويستهتران بها شاعرين أو غير شاعرين سواء! ومثله تلك الدراسات النظرية المجردة لفقه الفروع وأحكامه في الجوانب غير المطبقة .. إنها دراسة للتلهية! لمجرد الإيهام بأن لهذا الفقه مكانا في هذه الأرض التي تدرسه في معاهدها ولا تطبقه في محاكمها! وهو إيهام يبوء بالإثم من يشارك فيه، ليخدر مشاعر الناس بهذا الإيهام! إن هذا الدين جد. وقد جاء ليحكم الحياة. جاء ليعبد الناس للّه وحده، وينتزع من المغتصبين لسلطان اللّه هذا السلطان، فيرد الأمر كله إلى شريعة اللّه، لا إلى شرع أحد سواه .. وجاءت هذه الشريعة لتحكم الحياة كلها ولتواجه بأحكام اللّه حاجات الحياة الواقعية وقضاياها، ولتدلي بحكم اللّه في الواقعة حين تقع بقدر حجمها وشكلها وملابساتها.
ولم يجىء هذا الدين ليكون مجرد شارة أو شعار. ولا لتكون شريعته موضوع دراسة نظرية لا علاقة لها بواقع الحياة. ولا لتعيش مع الفروض التي لم تقع، وتضع لهذه الفروض الطائرة أحكاما فقهية في الهواء! هذا هو جد الإسلام. وهذا هو منهج الإسلام. فمن شاء من «علماء» هذا الدين أن يتبع منهجه بهذا الجد فليطلب تحكيم شريعة اللّه في واقع الحياة. أو على الأقل فليسكت عن الفتوى والقذف بالأحكام في الهواء! (?)