الغيب يحاولون الكشف عما لم يكشف اللّه منه وما هم ببالغيه. واللّه أعلم بطاقة البشر واحتمالهم، فهو يشرع لهم في حدود طاقتهم، ويكشف لهم من الغيب ما تدركه طبيعتهم. وهناك أمور تركها اللّه مجملة أو مجهلة ولا ضير على الناس في تركها هكذا كما أرادها اللّه.
ولكن السؤال - في عهد النبوة وفترة تنزل القرآن - قد يجعل الإجابة عنها متعينة فتسوء بعضهم، وتشق عليهم كلهم وعلى من يجيء بعدهم.
لذلك نهى اللّه الذين آمنوا أن يسألوا عن أشياء يسوؤهم الكشف عنها وأنذرهم بأنهم سيجابون عنها إذا سألوا في فترة الوحي في حياة رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وستترتب عليهم تكاليف عفا اللّه عنها فتركها ولم يفرضها: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ. وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ .. عَفَا اللَّهُ عَنْها .. ».أي لا تسألوا عن أشياء عفا اللّه عنها وترك فرضها أو تفصيلها ليكون في الإجمال سعة .. كأمره بالحج مثلا .. أو تركه ذكرها أصلا ..
ثم ضرب لهم المثل بمن كانوا قبلهم - من أهل الكتاب - ممن كانوا يشددون على أنفسهم بالسؤال عن التكاليف والأحكام. فلما كتبها اللّه عليهم كفروا بها ولم يؤدوها. ولو سكتوا وأخذوا الأمور باليسر الذي شاءه اللّه لعباده ما شدد عليهم، وما احتملوا تبعة التقصير والكفران.
ولقد رأينا في سورة البقرة كيف أن بني إسرائيل حينما أمرهم اللّه أن يذبحوا بقرة، بلا شروط ولا قيود، كانت تجزيهم فيها بقرة أية بقرة .. أخذوا يسألون عن أوصافها ويدققون في تفصيلات هذه الأوصاف. وفي كل مرة كان يشدد عليهم. ولو تركوا السؤال ليسروا على أنفسهم.
وكذلك كان شأنهم في السبت الذي طلبوه ثم لم يطيقوه! ..
ولقد كان هذا شأنهم دائما حتى حرم اللّه عليهم أشياء كثيرة تربية لهم وعقوبة!
وفي الصحيح عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا».فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلاَثًا