ويعلمون أنه مطلع على نواياهم وأعمالهم .. ومن كانت هذه حاله لا يتناول محرما ولا يرتكب معصية.
ولا نريد أن ندخل بهذه المناسبة في الجدل الذي أثاره المعتزلة حول الحكم بأن الخمر رجس: هل هو ناشئ عن أمر الشارع - سبحانه - بتحريمها، أم إنه ناشئ عن صفة ملازمة للخمر في ذاتها. وهل المحرمات محرمات لصفة ملازمة لها، أم إن هذه الصفة تلزمها من التحريم .. فهو جدل عقيم في نظرنا وغريب على الحس الإسلامي! .. واللّه حين يحرم شيئا يعلم - سبحانه - لم حرمه. سواء ذكر سبب التحريم أو لم يذكر. وسواء كان التحريم لصفة ثابتة في المحرم، أو لعلة تتعلق بمن يتناوله من ناحية ذاته، أو من ناحية مصلحة الجماعة ..
فاللّه سبحانه هو الذي يعلم الأمر كله والطاعة لأمره واجبة، والجدل بعد ذلك لا يمثل حاجة واقعية. والواقعية هي طابع هذا المنهج الرباني .. ولا يقولن أحد: إذا كان التحريم لصفة ثابتة في المحرم فكيف أبيح إذن قبل تحريمه!! فلا بد أن للّه - سبحانه - حكمة في تركه فترة بلا تحريم. ومرد الأمر كله إلى اللّه. وهذا مقتضى ألوهيته - سبحانه - واستحسان الإنسان أو استقباحه ليس هو الحكم في الأمر وما يراه علة قد لا يكون هو العلة. والأدب مع اللّه يقتضي تلقي أحكامه بالقبول والتنفيذ، سواء عرفت حكمتها أو علتها أم ظلت خافية .. واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون.
إن العمل بشريعة اللّه يجب أن يقوم ابتداء على العبودية .. على الطاعة للّه إظهارا للعبودية له سبحانه.
فهذا هو الإسلام - بمعنى الاستسلام .. وبعد الطاعة يجوز للعقل البشري أن يتلمس حكمة اللّه - بقدر ما يستطيع - فيما أمر اللّه به أو نهى عنه - سواء بين اللّه حكمته أم لم يبينها، وسواء أدركها العقل البشري أم لم يدركها - فالحكم في استحسان شريعة اللّه في أمر من الأمور ليس هو الإنسان! إنما الحكم هو اللّه. فإذا أمر اللّه أو نهى فقد انتهى الجدل ولزم الأمر أو النهي .. فأما إذا ترك الحكم للعقل البشري فمعنى ذلك أن الناس هم المرجع الأخير في شرع اللّه .. فأين مكان الألوهية إذن وأين مكان العبودية؟