والأول قول الجمهور والثاني قول ربيعة والليث بن سعد والمزني صاحب الشافعي وبعض المتأخرين من البغداديين .. وحسبنا هذا القدر في سياق الظلال.
وقد حدث أنه لما نزلت هذه الآيات، وذكر فيها تحريم الخمر، ووصفت بأنها رجس من عمل الشيطان أن انطلقت في المجتمع المسلم صيحتان متحدتان في الصيغة، مختلفتان في الباعث والهدف.
قال بعض المتحرجين من الصحابة: كيف بأصحابنا وقد ماتوا يشربون الخمر .. أو قالوا: فما بال قوم قتلوا في أحد وهي في بطونهم (أي قبل تحريمها).
وقال بعض المشككين الذين يهدفون إلى البلبلة والحيرة .. هذا القول أو ما يشبهه يريدون أن ينشروا في النفوس قلة الثقة في أسباب التشريع، أو الشعور بضياع إيمان من ماتوا والخمر لم تحرم وهي رجس من عمل الشيطان، ماتوا والرجس في بطونهم! عندئذ نزلت هذه الآية: «لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ. ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا، ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» .. نزلت لتقرر أولا أن ما لم يحرّم لا يحرم وأن التحريم يبدأ من النص لا قبله وأنه لا يحرم بأثر رجعي فلا عقوبة إلا بنص سواء في الدنيا أو في الآخرة لأن النص هو الذي ينشئ الحكم .. والذين ماتوا والخمر في بطونهم، وهي لم تحرم بعد، ليس عليهم جناح فإنهم لم يتناولوا محرما ولم يرتكبوا معصية (?) .. لقد كانوا يخافون اللّه ويعملون الصالحات ويراقبون اللّه