في الأساس والاتجاه .. وهي ضريبة يؤديها الناس من دمائهم وأعصابهم في الحياة الدنيا، فوق ما يؤدونه منها في الآخرة وهو أشد وأنكى ..
إنهم يؤدونها قلقا وحيرة وشقاء قلب وبلبلة خاطر، من جراء خواء قلوبهم من طمأنينة الإيمان وبشاشته وزاده وريه، إذا هم آثروا اطراح الدين كله، على زعم أن هذا هو الطريق الوحيد للعمل والإنتاج والعلم والتجربة، والنجاح الفردي والجماعي في المعترك العالمي! ذلك أنهم في هذه الحالة يصارعون فطرتهم، يصارعون الجوعة الفطرية إلى عقيدة تملأ القلب، ولا تطيق الفراغ والخواء. وهي جوعة لا تملؤها مذاهب اجتماعية، أو فلسفية، أو فنية .. على الإطلاق .. لأنها جوعة النزعة إلى إله ..
وهم يؤدونها كذلك قلقا وحيرة وشقاء قلب وبلبلة خاطر، إذا هم حاولوا الاحتفاظ بعقيدة في اللّه،وحاولوا معها مزاولة الحياة في هذا المجتمع العالمي الذي يقوم نظامه كله وتقوم أوضاعه وتقوم تصوراته، وتقوم وسائل الكسب فيه ووسائل النجاح على غير منهج اللّه، وتتصادم فيه العقيدة الدينية والخلق الديني، والسلوك الديني، مع الأوضاع والقوانين والقيم والموازين السائدة في هذا المجتمع المنكود.
وتعاني البشرية كلها ذلك الشقاء، سواء اتبعت المذاهب المادية الإلحادية، أو المذاهب المادية التي تحاول استبقاء الدين عقيدة بعيدة عن نظام الحياة العملية .. وتتصور - أو يصور لها أعداء البشرية - أن الدين للّه، وأن الحياة للناس! وأن الدين عقيدة وشعور وعبادة وخلق، والحياة نظام وقانون وإنتاج وعمل! وتؤدي البشرية هذه الضريبة الفادحة .. ضريبة الشقاء والقلق والحيرة والخواء .. لأنها لا تهتدي إلى منهج اللّه الذي لا يفصل بين الدنيا والآخرة بل يجمع ولا يقيم التناقض والتعارض بين الرخاء في الدنيا والرخاء في الآخرة، بل ينسق .. ولا يجوز أن تخدعنا ظواهر كاذبة، في فترة موقوتة، إذ نرى أمما لا تؤمن ولا تتقي، ولا تقيم منهج اللّه في حياتها، وهي موفورة الخيرات، كثيرة الإنتاج عظيمة الرخاء ...
إنه رخاء موقوت، حتى تفعل السنن الثابتة فعلها الثابت. وحتى تظهر كل آثار الفصام النكد بين الإبداع المادي والمنهج الرباني .. والآن تظهر بعض هذه الآثار في صور شتى: