ذُنُوبِهِمْ، وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ. أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ؟ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ .. »
ويقف الإنسان أمام هذه النصاعة في التعبير، وهذا الحسم في التقرير، وهذا الاحتياط البالغ لكل ما قد يهجس في الخاطر من مبررات لترك شيء - ولو قليل - من هذه الشريعة في بعض الملابسات والظروف
يقف الإنسان أمام هذا كله، فيعجب كيف ساغ لمسلم - يدعي الإسلام - أن يترك شريعة اللّه كلها، بدعوى الملابسات والظروف! وكيف ساغ له أن يظل يدعي الإسلام بعد هذا الترك الكلي لشريعة اللّه! وكيف لا يزال الناس يسمون أنفسهم «مسلمين»؟! وقد خلعوا ربقة الإسلام من رقابهم، وهم يخلعون شريعة اللّه كلها ويرفضون الإقرار له بالألوهية، في صورة رفضهم الإقرار بشريعته، وبصلاحية هذه الشريعة في جميع الملابسات والظروف، وبضرورة تطبيقها كلها في جميع الملابسات والظروف! «وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ» ..
يتمثل الحق في صدوره من جهة الألوهية، وهي الجهة التي تملك حق تنزيل الشرائع، وفرض القوانين ..
ويتمثل الحق في محتوياته، وفي كل ما يعرض له من شئون العقيدة والشريعة، وفي كل ما يقصه من خبر، وما يحمله من توجيه: «مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ» ..
فهو الصورة الأخيرة لدين اللّه، وهو المرجع الأخير في هذا الشأن، والمرجع الأخير في منهج الحياة وشرائع الناس، ونظام حياتهم، بلا تعديل بعد ذلك ولا تبديل.
ومن ثم فكل اختلاف يجب أن يرد إلى هذا الكتاب ليفصل فيه. سواء كان هذا الاختلاف في التصور الاعتقادي بين أصحاب الديانات السماوية، أو في الشريعة التي جاء هذا الكتاب بصورتها الأخيرة. أو كان هذا الاختلاف بين المسلمين أنفسهم، فالمرجع الذي يعودون إليه بآرائهم في شأن الحياة كله هو هذا الكتاب، ولا قيمة لآراء الرجال ما لم يكن لها أصل تستند إليه من هذا المرجع الأخير.