فكله شريعة واحدة، هم ملزمون بها، وشريعة اللّه الأخيرة هي الشريعة المعتمدة: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ» ..

والنص هنا كذلك على عمومه وإطلاقه .. وصفة الفسق تضاف إلى صفتي الكفر والظلم من قبل. وليست تعني قوما جددا ولا حالة جديدة منفصلة عن الحالة الأولى. إنما هي صفة زائدة على الصفتين قبلها، لاصقة بمن لم يحكم بما أنزل اللّه من أي جيل، ومن أي قبيل.

الكفر برفض ألوهية اللّه ممثلا هذا في رفض شريعته. والظلم بحمل الناس على غير شريعة اللّه وإشاعة الفساد في حياتهم. والفسق بالخروج عن منهج اللّه واتباع غير طريقه .. فهي صفات يتضمنها الفعل الأول، وتنطبق جميعها على الفاعل. ويبوء بها جميعا دون تفريق.

وأخيرا يصل السياق إلى الرسالة الأخيرة وإلى الشريعة الأخيرة .. إنها الرسالة التي جاءت تعرض «الإسلام» في صورته النهائية الأخيرة ليكون دين البشرية كلها ولتكون شريعته هي شريعة الناس جميعا ولتهيمن على كل ما كان قبلها وتكون هي المرجع النهائي ولتقيم منهج اللّه لحياة البشرية حتى يرث اللّه الأرض ومن عليها. المنهج الذي تقوم عليه الحياة في شتى شعبها ونشاطها والشريعة التي تعيش الحياة في إطارها وتدور حول محورها وتستمد منها تصورها الاعتقادي، ونظامها الاجتماعي،وآداب سلوكها الفردي والجماعي ..

وقد جاءت كذلك ليحكم بها، لا لتعرف وتدرس، وتتحول إلى ثقافة في الكتب والدفاتر! وقد جاءت لتتبع بكل دقة، ولا يترك شيء منها ويستبدل به حكم آخر في صغيرة من شئون الحياة أو كبيرة .. فإما هذا وإما فهي الجاهلية والهوى. ولا يشفع في هذه المخالفة أن يقول أحد إنه يجمع بين الناس بالتساهل في الدين. فلو شاء اللّه لجعل الناس أمة واحدة. إنما يريد اللّه أن تحكم شريعته، ثم يكون من أمر الناس ما يكون: «وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ، مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ، فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ، وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ. لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً. وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً. وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ، فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ. إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً، فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ. وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ، وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ. وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015