أو القبيلة .. وهنا يعرض هذا التكامل في الديانات الثلاث الكبرى .. اليهودية، والنصرانية، والإسلام ..
ويبدأ بالتوراة في هذه الآيات التي نحن بصددها في هذه الفقرة: «إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ»:
فالتوراة - كما أنزلها اللّه - كتاب اللّه الذي جاء لهداية بني إسرائيل، وإنارة طريقهم إلى اللّه. وطريقهم في الحياة .. وقد جاءت تحمل عقيدة التوحيد. وتحمل شعائر تعبدية شتى. وتحمل كذلك شريعة: «يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا، لِلَّذِينَ هادُوا، وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ، بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ».
أنزل اللّه التوراة لا لتكون هدى ونورا للضمائر والقلوب بما فيها من عقيدة وعبادات فحسب. ولكن كذلك لتكون هدى ونورا بما فيها من شريعة تحكم الحياة الواقعية وفق منهج اللّه، وتحفظ هذه الحياة في اطار هذا المنهج. ويحكم بها النبيون الذين أسلموا أنفسهم للّه فليس لهم في أنفسهم شيء إنما هي كلها للّه وليست لهم مشيئة ولا سلطة ولا دعوى في خصيصة من خصائص الألوهية - وهذا هو الإسلام في معناه الأصيل - يحكمون بها للذين هادوا - فهي شريعتهم الخاصة نزلت لهم في حدودهم هذه وبصفتهم هذه - كما يحكم بها لهم الربانيون والأحبار وهم قضاتهم وعلماؤهم. وذلك بما أنهم قد كلفوا المحافظة على كتاب اللّه، وكلفوا أن يكونوا عليه شهداء، فيؤدوا له الشهادة في أنفسهم، بصياغة حياتهم الخاصة وفق توجيهاته، كما يؤدوا له الشهادة في قومهم بإقامة شريعته بينهم.
وقبل أن ينتهي السياق من الحديث عن التوراة، يلتفت إلى الجماعة المسلمة، ليوجهها في شأن الحكم بكتاب اللّه عامة، وما قد يعترض هذا الحكم من شهوات الناس وعنادهم وحربهم وكفاحهم، وواجب كل من استحفظ على كتاب اللّه في مثل هذا الموقف، وجزاء نكوله أو مخالفته: «فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ» ..
ولقد علم اللّه - سبحانه - أن الحكم بما أنزل اللّه ستواجهه - في كل زمان وفي كل أمة - معارضة من بعض الناس ولن تتقبله نفوس هذا البعض بالرضى والقبول والاستسلام