يكون الاستسلام أو الرفض باللسان أو بالفعل دون القول .. وهي من ثم قضية كفر أو إيمان وجاهلية أو إسلام. ومن هنا يجيء هذا النص: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ» .. «الظالمون» .. «الفاسقون».
والاعتبار الثاني هو اعتبار الأفضلية الحتمية المقطوع بها لشريعة اللّه على شرائع الناس .. هذه الأفضلية التي تشير إليها الآية الأخيرة في هذا الدرس: «وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ؟» .. والاعتراف المطلق بهذه الأفضلية لشريعة اللّه، في كل طور من أطوار الجماعة، وفي كل حالة من حالاتها ..
هو كذلك داخل في قضية الكفر والإيمان .. فما يملك إنسان أن يدعي أن شريعة أحد من البشر، تفضل أو تماثل شريعة اللّه، في أية حالة أو في أي طور من أطوار الجماعة الإنسانية .. ثم يدعي - بعد ذلك - أنه مؤمن باللّه، وأنه من المسلمين .. إنه يدعي أنه أعلم من اللّه بحال الناس وأحكم من اللّه في تدبير أمرهم. أو يدعي أن أحوالا وحاجات جرت في حياة الناس، وكان اللّه - سبحانه - غير عالم بها وهو يشرع شريعته أو كان عالما بها ولكنه لم يشرع لها!
ولا تستقيم مع هذا الادعاء دعوى الإيمان والإسلام. مهما قالها باللسان! فأما مظاهر هذه الأفضلية فيصعب إدراكها كلها. فإن حكمة شرائع اللّه لا تنكشف كلها للناس في جيل من الأجيال. والبعض الذي ينكشف يصعب التوسع في عرضه هنا .. في الظلال .. فنكتفي منه ببعض اللمسات:
إن شريعة اللّه تمثل منهجا شاملا متكاملا للحياة البشرية يتناول بالتنظيم والتوجيه والتطوير كل جوانب الحياة الإنسانية في جميع حالاتها، وفي كل صورها وأشكالها ..
وهو منهج قائم على العلم المطلق بحقيقة الكائن الإنساني، والحاجات الإنسانية، وبحقيقة الكون الذي يعيش فيه الإنسان وبطبيعة النواميس التي تحكمه وتحكم الكينونة الإنسانية .. ومن ثم لا يفرط في شيء من أمور هذه الحياة ولا يقع فيه ولا ينشأ عنه أي تصادم مدمر بين أنواع النشاط الإنساني ولا أي تصادم مدمر بين هذا النشاط والنواميس الكونية إنما يقع التوازن والاعتدال والتوافق والتناسق .. الأمر الذي لا يتوافر أبدا لمنهج من صنع