فينسم على القلوب التي دبت فيها الجفوة والجفاف، نسمة من الندي والإيناس، والرغبة في إبقاء الصلة الزوجية، والرابطة العائلية.
إن الإسلام يتعامل مع النفس البشرية بواقعها كله. فهو يحاول - بكل وسائله المؤثرة - أن يرفع هذه النفس إلى أعلى مستوى تهيئها له طبيعتها وفطرتها .. ولكنه في الوقت ذاته لا يتجاهل حدود هذه الطبيعة والفطرة ولا يحاول أن يقسرها على ما ليس في طاقتها ولا يقول للناس: اضربوا رؤوسكم في الحائط فأنا أريد منكم كذا والسلام! سواء كنتم تستطيعونه أو لا تستطيعونه! إنه لا يهتف للنفس البشرية لتبقى على ضعفها وقصورها ولا ينشد لها أناشيد التمجيد وهي تتلبط في الوحل، وتتمرغ في الطين - بحجة أن هذا واقع هذه النفس! ولكنه كذلك لا يعلقها من رقبتها في حبل بالملأ الأعلى، ويدعها تتأرجح في الهواء لأن قدميها غير مستقرتين على الأرض. بحجة الرفعة والتسامي! إنه الوسط .. إنه الفطرة .. إنه المثالية الواقعية. أو الواقعية المثالية .. إنه يتعامل مع الإنسان، بما هو إنسان.
والإنسان مخلوق عجيب. هو وحده الذي يضع قدميه على الأرض وينطلق بروحه إلى السماء. في لحظة واحدة لا تفارق فيها روحه جسده ولا ينفصل إلى جسد على الأرض وروح في السماء! وهو هنا - في هذا الحكم - يتعامل مع هذا الإنسان. وينص على خصيصة من خصائصه في هذا المجال: «وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ».أي أن الشح حاضر دائما في الأنفس. وهو دائما قائم فيها. الشح بأنواعه. الشح بالمال. والشح بالمشاعر.
وقد تترسب في حياة الزوجين - أو تعرض - أسباب تستثير هذا الشح في نفس الزوج تجاه زوجته. فيكون تنازلها له عن شيء من مؤخر صداقها أو من نفقتها - إرضاء لهذا الشح بالمال، تستبقي معه عقدة النكاح! وقد يكون تنازلها عن ليلتها - إن كانت له زوجة أخرى أثيرة لديه - والأولى لم تعد فيها حيوية أو جاذبية إرضاء لهذا الشح بالمشاعر، تستبقي معه عقدة النكاح! والأمر على كل حال متروك في هذا للزوجة وتقديرها لما تراه مصلحة لها .. لا يلزمها المنهج الرباني بشيء ولكنه فقط يجيز لها التصرف، ويمنحها حرية النظر والتدبر في أمرها وفق ما تراه.