إننا نجد في النصوص استنكارا لانقسام المؤمنين فئتين في أمر المنافقين وتعجبا من اتخاذهم هذا الموقف وشدة وحسما في التوجيه إلى تصور الموقف على حقيقته، وفي التعامل مع أولئك المنافقين كذلك.

وكل ذلك يشي بخطر التميع في الصف المسلم حينذاك - وفي كل موقف مماثل - التميع في النظرة إلى النفاق والمنافقين لأن فيها تميعا كذلك في الشعور بحقيقة هذا الدين. ذلك أن قول جماعة من المؤمنين: «سبحان اللّه! - أو كما قالوا - أتقتلون قوما قد تكلموا بمثل ما تكلمتم به من أجل أنهم لم يهاجروا ولم يتركوا ديارهم، نستحل دماءهم وأموالهم؟» .. وتصورهم للأمر على هذا النحو، من أنه كلام مثل ما يتكلم المسلمون! مع أن شواهد الحال كلها وقول هؤلاء المنافقين: «إن لقينا أصحاب محمد فليس علينا منهم بأس» .. وشهادة الفئة الأخرى من المؤمنين وقولهم: «يظاهرون عدوكم» .. تصورهم للأمر على هذا النحو فيه تمييع كبير لحقيقة الإيمان، في ظروف تستدعي الوضوح الكامل، والحسم القاطع. فإن كلمة تقال باللسان مع عمل واقعي في مساعدة عدو المسلمين الظاهرين، لا تكون إلا نفاقا. ولا موضع هنا للتسامح أو للإغضاء. لأنه تمييع للتصور ذاته ..

وهذا هو الخطر الذي يواجهه النص القرآني بالعجب والاستنكار والتشديد البين.

ولم يكن الحال كذلك في الإغضاء عن منافقي المدينة. فقد كان التصور واضحا .. هؤلاء منافقون .. ولكن هناك خطة مقررة للتعامل معهم. هي أخذهم بظاهرهم والإغضاء إلى حين.

وهذا أمر آخر غير أن ينافح جماعة من المسلمين عن المنافقين. لأنهم قالوا كلاما كالذي يقوله المسلمون.

وأدّوا بألسنتهم شهادة أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه. بينما هم يظاهرون أعداء المسلمين! من أجل هذا التميع في فهم فئة من المسلمين، ومن أجل ذلك الاختلاف في شأن المنافقين في الصف المسلم، كان هذا الاستنكار الشديد في مطلع الآية .. ثم تبعه الإيضاح الإلهي لحقيقة موقف هؤلاء المنافقين: «وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا» .. ما لكم فئتين في شأن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015