ونقف مرة أخرى أمام حرص المنهج الرباني على الصلاة وعلى إقامتها في وجه جميع الأعذار والمعوقات.
وتذليل هذه المعوّقات. والتيسير البادي في إحلال التيمم محل الوضوء، ومحل الغسل، أو محلهما معا، عند تعذر وجود الماء أو عند التضرر بالماء (أو عند الحاجة إلى الماء القليل للشرب وضروريات الحياة) وكذلك عند السفر (حتى مع وجود الماء في أقوال) ..
إن هذا كله يدل - بالإضافة إلى ما سيأتي في السورة من بيان كيفية الصلاة عند الخوف - في ميدان القتال - على حرص شديد من المنهج الرباني، على الصلاة .. بحيث لا ينقطع المسلم عنها لسبب من الأسباب (ويبدو ذلك كذلك في المرض حيث تؤدى الصلاة من قعود، أو من اضطجاع، أو من نوم. وتؤدى بحركات من جفني العين عند ما يشق تحريك الجسم والأطراف!) إنها هذه الصلة بين العبد والرب. الصلة التي لا يحب اللّه للعبد أن ينقطع عنها. لأنه - سبحانه - يعلم ضرورتها لهذا العبد. فاللّه سبحانه غني عن العالمين. ولا يناله من عبادة العباد شيء. إلا صلاحهم هم. وإلا ما يجدون في الصلاة والاتصال باللّه، من العون على تكاليفهم، والاسترواح لقلوبهم، والاطمئنان لأرواحهم.
والإشراق في كيانهم والشعور بأنهم في كنف اللّه، وقربه، ورعايته، بالطريقة التي تصلح لفطرتهم ..
واللّه أعلم بفطرتهم هذه، وبما يصلح لها وما يصلحها .. وهو أعلم بمن خلق. وهو اللطيف الخبير.
ونقف كذلك أمام بعض التعبيرات الرائقة في هذا النص القصير:
ذلك حين يعبر عن قضاء الحاجة في الغائط بقوله: «أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ» .. فلا يقول: إذا عملتم كذا وكذا .. بل يكتفي بالعودة من هذا المكان، كناية عما تم فيه! ومع هذا لا يسند الفعل إلى المخاطبين.
فلا يقول: أو جئتم من الغائط. بل يقول: «أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ» زيادة في أدب الخطاب، ولطف الكناية. ليكون هذا الأدب نموذجا للبشر حين يتخاطبون! وحين يعبر عما يكون بين الرجل والمرأة بقوله: «أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ» والتعبير بالملامسة أرق وأحشم وأرقى