فأما هؤلاء. هؤلاء الذين لم يقدموا إيمانا، ولم يقدموا عملا .. هؤلاء الذين لم يقدموا إلا الكفر وسوء العمل .. فكيف يكون حالهم يومذاك؟ كيف يكون الحال، إذا جئنا من كل أمة بشهيد - هو نبيها الذي يشهد عليها - وجئنا بك على هؤلاء شهيدا؟
وعندئذ يرتسم المشهد شاخصا .. ساحة العرض الواسعة. وكل أمة حاضرة. وعلى كل أمة شهيد بأعمالها .. وهؤلاء الكافرون المختالون الفخورون الباخلون المبخلون، الكاتمون لفضل اللّه، المراءون الذين لم يبتغوا وجه اللّه .. هؤلاء هم نكاد نراهم من خلال التعبير! واقفين في الساحة وقد انتدب الرسول - صلى الله عليه وسلم - للشهادة! هؤلاء هم بكل ما أضمروا وأظهروا. بكل ما كفروا وما أنكروا. بكل ما اختالوا وما افتخروا. بكل ما بخلوا وبخلوا. بكل ما راءوا وتظاهروا .. هؤلاء هم في حضرة الخالق الذي كفروا به، الرازق الذي كتموا فضله وبخلوا بالإنفاق مما أعطاهم. في اليوم الآخر الذي لم يؤمنوا به. في مواجهة الرسول الذي عصوه .. فكيف؟؟؟
إنها المهانة والخزي، والخجل والندامة .. مع الاعتراف حيث لا جدوى من الإنكار ..
والسياق القرآني لا يصف هذا كله من الظاهر. إنما يرسم «صورة نفسية» تتضح بهذا كله وترتسم حواليها تلك الظلال كلها. ظلال الخزي والمهانة، والخجل والندامة: «يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ، وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً»! ومن خلال اللمسات المعبرة في الصورة الحية، نحس بكل تلك المعاني، وبكل تلك الانفعالات، وهي تتحرك في هذه النفوس .. نحس بها عميقة حية مؤثرة. كما لا نحس من خلال أي تعبير آخر .. وصفي أو تحليلي .. وتلك طريقة القرآن في مشاهد القيامة، وفي غيرها من مواضع التعبير بالتصوير (?).
وقد بدأ الدرس بالأمر بعبادة اللّه والنهي عن إشراك شيء به .. والصلاة أمسّ الشعائر بمعنى العبادة. وفي الآية التالية بيان لبعض أحكامها، وأحكام الطهارة الممهدة لها: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى - حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ - وَلا جُنُباً - إِلَّا