وحين ينتهي من عرض سوءات نفوسهم وسوءات سلوكهم ومن عرض أسبابها من الكفر باللّه واليوم الآخر، وصحبة الشيطان واتباعه ومن الجزاء المعد المهيأ لأصحاب هذه السوءات، وهو العذاب المهين ..
عندئذ يسأل في استنكار: «وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ؟ وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً. إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ، وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها، وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً» ..
أجل! ماذا عليهم؟ ما الذي يخشونه من الإيمان باللّه واليوم الآخر، والإنفاق من رزق اللّه. واللّه عليم بهم بما أنفقوا وبما استقر في قلوبهم من بواعث. واللّه لا يظلم مثقال ذرة فلا خشية من الجهل بإيمانهم وإنفاقهم. ولا خوف من الظلم في جزائهم .. بل هناك الفضل والزيادة، بمضاعفة الحسنات، والزيادة من فضل اللّه بلا حساب؟
إن طريق الإيمان أضمن وأكسب - على كل حال وعلى كل احتمال - وحتى بحساب الربح المادي والخسارة المادية، فإن الإيمان - في هذه الصورة - يبدو هو الأضمن وهو الأربح! فماذا عليهم لو آمنوا باللّه واليوم الآخر، وأنفقوا مما رزقهم اللّه؟ إنهم لا ينفقون من شيء خلقوه لأنفسهم خلقا إنما هو رزق اللّه لهم. ومع ذلك يضاعف لهم الحسنة ويزيدهم من فضله. وهم من رزقه ينفقون ويعطون! فياله من كرم! ويا له من فيض! ويا لها من صفقة لا يقعد عنها إلا جاهل خسران! ثم يختم الأوامر والنواهي، والتحضيض والترغيب، بمشهد من مشاهد القيامة يجسم موقفهم فيه، ويرسم حركة النفوس والمشاعر كأنها شاخصة متحركة .. على طريقة القرآن في مشاهد القيامة: «فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ، وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً! يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ، وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً» ..
إنه يمهد لمشهد القيامة، بأن اللّه لا يظلم مثقال ذرة .. وإذن فهو العدل المطلق الذي لا يميل ميزانه قيد شعرة .. وأنه يضاعف الحسنات ويؤتي فضلا عنها أجرا من لدنه عظيما .. فهي الرحمة إذن لمن يستحقون الرحمة والفضل المطلق لمن كانوا يرجون الفضل، بالإيمان والعمل ..