وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلاً أُتِيَ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -،لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَإِنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: أَنَا أَكْفُلُ بِهِ قَالَ: بِالْوَفَاءِ؟ قَالَ: بِالْوَفَاءِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم -،وَكَانَ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ - أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا -. (?)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ مَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ. (?)
وأما الوصية فلأن إرادة الميت تعلقت بها. وقد جعلت الوصية لتلافي بعض الحالات التي يحجب فيها بعض الورثة بعضا. وقد يكون المحجوبون معوزين أو تكون هناك مصلحة عائلية في توثيق العلاقات بينهم وبين الورثة وإزالة أسباب الحسد والحقد والنزاع قبل أن تنبت. ولا وصية لوارث. ولا وصية في غير الثلث.
وفي هذا ضمان ألا يجحف المورث بالورثة في الوصية.
وفي نهاية الآية تجيء هذا اللمسات المتنوعة المقاصد: «آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً. فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً» ..
واللمسة الأولى لفتة قرآنية لتطييب النفوس تجاه هذه الفرائض. فهنالك من تدفعهم عاطفتهم الأبوية إلى إيثار الأبناء على الآباء، لأن الضعف الفطري تجاه الأبناء أكبر. وفيهم من يغالب هذا الضعف بالمشاعر الأدبية والأخلاقية فيميل إلى إيثار الآباء. وفيهم من يحتار ويتأرجح بين الضعف الفطري والشعور الأدبي .. كذلك قد تفرض البيئة بمنطقها العرفي اتجاهات معينة كتلك التي واجه بها بعضهم تشريع الإرث يوم نزل، وقد أشرنا إلى بعضها من قبل .. فأراد اللّه سبحانه أن يسكب في القلوب كلها راحة الرضى والتسليم لأمر اللّه، ولما يفرضه اللّه بإشعارها أن العلم كله للّه وأنهم لا يدرون أي الأقرباء أقرب لهم نفعا، ولا أي القسم أقرب لهم مصلحة: «آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً» ..
واللمسة الثانية لتقرير أصل القضية. فالمسألة ليست مسألة هوى أو مصلحة قريبة. إنما هي مسألة الدين ومسألة الشريعة: «فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ» ..