فيعوقونني عَن مرادي فأحتاج إِلَى مفارقتهم على أقبح الْوُجُوه فكاتب ابْن العميد عضد الدولة بِهَذَا الحَدِيث.
فورد الْجَواب بِأَنَّهُ مملك مُرَاده فِي الْمقَام والظعن. فَسَار المتنبي من أرجان فَلَمَّا كَانَ على أَرْبَعَة فراسخ من شيراز استقبله عضد الدولة بِأبي عمر الصّباغ أخي أبي مُحَمَّد الْأَبْهَرِيّ صَاحب كتاب حدائق الْآدَاب. فَلَمَّا تلاقيا وتسايرا استنشده. فَقَالَ: المتنبي: النَّاس يتناشدون فاسمعه.
فَأخْبر أَبُو عمر أَنه رسم لَهُ ذَلِك عَن الْمجْلس العالي. فَبَدَأَ بقصيدته الَّتِي فَارق مصر بهَا:
(أَلا كل مَاشِيَة الخيزلي ... فدى كل مَاشِيَة الهيدبى)
ثمَّ دخل الْبَلَد فَأنْزل دَارا مفروشة وَرجع أَبُو عمر الصّباغ إِلَى عضد الدولة فَأخْبرهُ بِمَا جرى
(فَلَمَّا أنخنا ركزنا الرما ... ح حول مكارمنا والعلا)
(وبتنا نقبل أسيافنا ... ونمسحها من دِمَاء العدا)
(لتعلم مصر وَمن بالعراق ... وَمن بالعواصم أَنِّي الْفَتى)
(وَأَنِّي وفيت وَأَنِّي أَبيت ... وَأَنِّي عتوت على من عتا)
فَقَالَ عضد الدولة: هُوَ ذَا يتهددنا المتنبي ثمَّ لما نفض غُبَار السّفر واستراح ركب إِلَى عضد الدولة فَلَمَّا توَسط الدَّار انْتهى إِلَى قرب السرير مصادمة فَقبل الأَرْض واستوى قَائِما وَقَالَ: شكرت مَطِيَّة حَملتنِي إِلَيْك واملاً وقف بِي عَلَيْك ثمَّ سَأَلَهُ عضد الدولة عَن مسيره من مصر وَعَن عَليّ بن حمدَان فَذكره وَانْصَرف وَمَا أنْشدهُ فَبعد أيامٍ حضر السماط وَقَامَ بِيَدِهِ درج فأجلسه عضد الدولة وأنشده: