-

وَقَوله: لم يعف رسمها هُوَ مَوضِع التَّعْلِيل للبكاء لِأَنَّهُ لَو عفت هَذِه الْمَوَاضِع أَو عَفا رسمها لاستراح العاشق وَفِي بَقَائِهَا أَشد حزن لَهُ كَقَوْل ابْن أَحْمَر: الوافر

(ألاليت الْمنَازل قد بلينا ... فَلَا يرمين عَن شزنٍ حَزينًا)

أَي: فَلَا يرمين عَن تحرّف.)

يُقَال: شزن فلَان ثمَّ رمى أَي: تحرّف فِي أحد شقّيه وَذَلِكَ أشدّ لرميه أَي: ليتها بليت حَتَّى لاترمي قُلُوبنَا بالأحزان والأوجاع.

وَعَفا الشَّيْء يعْفُو عفوا وعفوّاً وعفاء: درس وانمحى وعفاه غَيره: درسه. والرسم: مَا لصق بِالْأَرْضِ من آثَار الديار مثل البعر والرّماد.

وَقَوله: لم نسجتها تَعْلِيل لعدم العفاء والامّحاء. قَالَ الْأَصْمَعِي: إِن الرّيحين إِذا اختلفتا على الرَّسْم لم يعفواه فَلَو دَامَت عَلَيْهِ وَاحِدَة لعفته لِأَن الرّيح الْوَاحِدَة تسفي على الرَّسْم فيدرس وَإِذا اعتورته ريحَان فسفت عَلَيْهِ إِحْدَاهمَا فغطّته ثمَّ هبّت الْأُخْرَى كشفت عَن الرَّسْم مَا وَقيل: مَعْنَاهُ: لم يعف رسمها للريح وَحدهَا إِنَّمَا عَفا للريح والمطر وترادف السنين.

وَقيل: مَعْنَاهُ لم يعف رسم حبّها من قلبِي وَإِن نسجتها الرّيحان فعفتها مَعَ الأمطار والسنين.

وَالْمعْنَى الْجيد هُوَ الأول. وفاعل نسجت ضمير مَا وهَا ضمير الْمَوَاضِع الْأَرْبَعَة. وَمن بَيَان لما فَتكون مَا عبارَة عَن ريح الْجنُوب وَالشمَال وهما ريحَان متقابلان.

-

وَهَذَانِ البيتان أول معلقَة امرىء الْقَيْس وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ من أَوَائِل الْكتاب. وَتقدم أَيْضا شرح غَالب هَذِه القصيدة فِي مَوَاضِع مُتعَدِّدَة مَعَ بَيَان سَبَب نظمها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015